بقلم مجدولين جمل الليل تمر الأيام و تزحف الساعات على الشاب : وحيد بن ساكت المهمش ، وقد ألقى الملل سهوله على عقله قبل قلبه ، فهو في مدرسةٍ تقليدية تُغلق أبوابها في الصباح الباكر ، و تفتح الظهيرة.. يعود وحيد إلى البيت الكبير في بنيانه .. الثمين في أثاثه .. و المتصدع في أشخاصه . ذلك البيت له طقس عواطفه رعدية مصحوب بعوالق ترابية ، له قوانين ثابتة منقوشة في قلوب ساكنيه لا نسمع إلا ما نراه. يسأل وحيد نفسه دائماً ؛ متى يأتي اليوم الذي أحبُّ مدرستي ؟ و متى يأتي ذلك اليوم الذي أعود فيه إلى بيتي بشوق و لهفة ؟ متى أشعر بالحبّ ؟ و هل أستطيع أن أُحِبّ و أُحَبّ ؟ ، فيجيبه صوت داخلي قائلا : يا وحيد أنت غير محبوب من الآخرين ألا تشعر بذاتك لا أحد ينصت إليك لا في البيت و لا في المدرسة و لا في المجتمع. و تتوالى على وحيد أيام و أيام و يستمر الصراع و يزداد الألم و تدور بينه و بين ذاته حوارات و صراعات ، داخله فوضى من أفكاره ، و السكون و الهدوء يغلف هيئته الخارجية ، هو صامت و بريق عينه خافت و الكل يمدح هذا الهدوء. في احدى الأيام و عندما كان منعزلا مع نفسه في عيادة الأسنان رأى رجلا في الأربعين من عمره يضحك مع ذاك العامل و يسأل عن أحوال الموظف يمزح هذا و يتكلم مع ذاك ، و وحيد يرى بعينه فقط و لا يسمع شيئاً فقد كان مشغولا بسماع صوته و ثورة أحاديثه. إلى أن وُضِعت يدٌ على فخذه قطعت حبل أفكاره و استيقظ على عبارة : إلى أين ؟ قال وحيد : نعم ماذا قلت؟ قال الرجل : يا بني كيف حالك .. لم أنت هنا خلع أم تركيب؟ قال وحيد : اهااا ماشي الحال عندي ألم في ضرسي. قال الرجل : أنا سعيد بن فرحان أبو فرح و عندي ولد بعمرك اسمه باسم ، هل أنت بصحبة أحد من أفراد العائلة ؟ قال وحيد : لا أنا وحدي . قال أبو فرح : ما شاء الله بأي صف. قال وحيد : أول ثانوي. قال أبو فرح : وفقك الله ، لما أنت قلق هل تخاف طبيب الأسنان ، الخوف من طبيب الأسنان شعور من وحي أفكارنا كأي شيء في هذه الحياة. ظل وحيد يتأمل هذه الإطلالة الجديدة في مظهرها و جوهرها وهو يحاول أن يعود إلى عالمه لكن هناك من يشغله بالأسئلة ، و يتابع وحيد أبو فرح الذي يحاوره الأحاديث ، و فجأة سأل أبو فرح وحيد قائلا ؟ وحيد أتحب المدرسة ؟ فأجاب : امممم يعني. قال أبو فرح : أتحبها أم لا بصراحة. قال وحيد : بصراحة لا أحبها و لا تحبني. هتف أبو فرح متعجبا وقد توسعت حدقت عيناه: لم؟؟ أنت ذا وجهه بشوش و ما شاء الله رجل يعتمد عليه. سكت وحيد متأملا واحمر خجلا و تبسم . فَطِنَ له أبو فرح وقال مؤكدا : أنا صادق يا بني تأمل نفسك. قال وحيد أنا لا أجيد تزويق الكلام و إن أردت الحديث أسكتوني و أسمعوني كلام لا أحب سماعه رصاصات من السخرية غير الشتائم و السباب.. تنهد و تابع قوله : سئمت الصمت و أصابني ملل السكوت أتمنى لو أكون في مدرسة أخرى لكن والداي يصران على هذه المدرسة لم يستمعوا إلى رغبتي. سكت برهة و أبو فرح ينظر و ينصت فقال له بهدوء : أكمل اسمعك. تعجب وحيد من نفسه كيف قال ما قال ، و قال : لا أعلم ما قلت اعتذر. قال أبو فرح : لما الاعتذار أنا أب و أعلم معاناة الأبناء في سنك و أتفهم ما قلته و أنا مدرك تماماً غياب الحوار في بعض بيوتنا و مدارسنا و مجتمعنا و مهم جدا أن نبدأ نحن بأنفسنا. قال وحيد : لا أعلم كيف تكلمت معك . قال أبو فرح : أنت من قرر التحدث. قال وحيد : يا عم أتعلم أنني في بعض الأحيان أتمنى أن أصرخ و أقول أسمعوني احتاج أن ينصت إلي من حولي و أريد أن أقول رأي لكن… قال أبو فرح : الناس من حولك لا يعلمون ما تريد إلا إن تكلمت، فكر كيف تجذب الناس لحديثك و سأساعدك و أعلمك بعض المهارات. سكت وحيد وبدأ يفكر بكلام أبو فرح ، ثم دخلت الممرضة و نادت سعيد بن فرحان دورك الآن قال وحيد : و المهارات. تبسم أبو فرح و قال : خذ هذه بطاقة تعريف لي و للحديث بقية.