أزمة كرونا ما بين بناء القيم واستنهاض الأمم
د. شهاب احمد العثمان
أخضعت جائحة كورونا منظومة القيم الحضارية في العالم، لإبتلاء حقيقي على مستوى الممارسة والمسؤولية الجماعية، فقد أوضحت أن الإنسانية مهما بلغت من تطور مادي، فإن ركيزة القيم، إنما هي سلوك وممارسة، وتبقى الحصن الحصين للإنسان، ومصدر قوة واستقرار وتماسك المجتمعات الإنسانية في مواجهتها للمحن والأزمات الطارئة..
ففي دولة الكويت ، اتخذت عدة تدابير ، وبطريقة استباقية لمحاصرة تفشي هذا الوباء، سواء بالتوعية الوقائية او توفير المسلزمات من المواد التمونية وفرض الحجر المنزلي والمؤسسي، فقد خرج وزير الصحة بنفسه يستحلف المواطنين ( استحلفكم بالله الزموا منازلكم )، محاولا إرجاع الأزمة الى القيم الايمانية بأن الأمر جلل وخطير، في سياق ترتبط فيه الجهات الرسمية والإعلامية والصحية بالمجتمع.
ويخرج صاحب السمو أمير البلاد أمير الأنسانية الاب الوالد ليطمئن أبناءه ويحثهم على التحلي بالصبر، وأنها أزمة ستزول باذن الله بتكاتف الجميع.
واستمرارا لهذا النهج المتكامل في المحافظة على إنسان الكويت، فقد أعلن مجلس الوزراء في وقت سابق، مجموعة من القرارات، وهي تتنوع بين إغلاق الصالونات النسائية والرجالية وإغلاق المجمعات التجارية ومراكز التسوق والمولات وصالات الأعراس ، وتفعيل التباعد الاجتماعي في منافذ التسويق المركزية الخاصة بالمواد الغذائية، وضرورة الإلتزام بترك مسافة لا تقل عن متر بير كل شخص وآخر، في حال الانتظام بطوابير الانتظار.
وما كانت هذه الإجراءات الوقائية لتنجح الا بتعاون المواطنين إلا باستشعار قيم الصبر والتعاون والتكاتف وتلبية النداء للتطوع ، والتي تنبع من قيم الولاء وحب الوطن.
وفي هذا السياق أعلن وزير الإعلام في حملة «تحقق»، وهي حملة توعوية إلكترونية، تهدف لإشراك المجتمع في محاربة الإشاعات، وكسب المهارات للتحقق من صحة الأخبار والحد من الإشاعات عبر تعريفهم بالأدوات المتاحة في بعض المواقع الالكترونية العالمية المتخصصة، وهنا تبرز قيم تحري الصدق في الاخبار وقيم الشفافية ومحاربة الاشاعات التي تؤدي الى تمزق المجتمع.
ودولة الكويت، وهي تحرص على رعاياها، أطلقت وزارة الخارجية الكويتية، وفي بدايات الأزمة، منصة معاكم، بالتعاون مع الجهاز المركزى الكويتى لتكنولوجيا المعلومات؛ لترتيب عودة الكويتيين الموجودين فى الخارج إلى الكويت، ودعت الخارجية الكويتية – فى بيان رسمي، المواطنين الكويتيين الراغبين فى العودة، إلى التسجيل الفورى لبياناتهم فى هذه المنصة الإلكترونية، ويظل ابن الكويت عزيزًا على وطنه أينما كان، يربطهما مزيج متبادل من قيم الحب والولاء والإنتماء.
أما على الصعيد الخليجي ، فقد عقد وزراء الصحة بدول مجلس التعاون، يوم السبت الموافق 14مارس 2020م، وبمشاركة مجلس الصحة لدول مجلس التعاون، إجتماعا لمناقشة مستجدات فيروس كورونا COVID-19 والاطلاع على آخر التطورات والمستجدات في دول المجلس ومناقشة الإجراءات المتبعة للحد من انتشار الفيروس، وهنا يظهر تجسيد لقيم التعاون والتكاتف على المستوى الخليجي والدولي بالتواصل مع منظمة الصحة العالمية، ويتوج بموافقة دول مجلس التعاون على اقتراح دولة الكويت بإنشاء شبكة أمن غذائي موحدة.
اما فيما يختص بمشاركة قيم التكاتف والتآزرعلى المستوى العربي والعالمي، فقد أطلقت الكويت “حملة فزعة الكويت” بتاريخ 28/3/2020، بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومشاركة 41 مؤسسة من المؤسسات الخيرية، وخلال يوم واحد فقط ، فقد جمعت الحملة أكثر من تسعة ملايين دينار كويتي ، ليتم تقديمها من خلال ثلاثة مصارف لصالح العمالة التي تضررت من الأزمه، ودعما لجهود الحكومية المبذولة في الجوانب الصحية والإنسانية لدرء هذه الأزمة، لقد كانت حملة ” فزعة الكويت “، إضافة نوعية تسجل لصالح الكويت، حكومة وشعبا، في الالتفاف حول الوطن والإنسان، في الداخل والخارج على حد سواء.
كل تلك القيم وغيرها تستنهضها الأزمات، فبالرغم من الإقفال الاحترازي لمصادر تعلم القيم كمؤسسات التعليم والمساجد والجامعات، والذي طال جميع الدول في العالم، إلا أن مخزون القيم لدى المواطن الكويتي يؤتي أكله، في كل أزمة تمر بها البلاد، ويتم تسخيره كبعد أساسي للمساعدة في حل ازمة كورونا، وهو الوقت المناسب للتركيز على ترسيخ منظومة القيم الحضارية في نفوس أبنائنا كرصيد وسلاح نواجه به الآفات والازمات ، لتكون مصدرا معتبرا لاستنهاض وحماية الامم .
