الأبناء وممارسة المسؤولية المجتمعية
بقلم : د.هلا السعيد
الخبيرة في مجال الإعاقة .
إن تدريب الأبناءعلى الإعتماد على أنفسهم قبل أن يتم تدريبهم على ممارسة المسؤولية المجتمعية أمر لا مناص منه.
حيث يجب أن ندربهم على الإعتماد علي النفس أولا ، وهذا النوع من الفكر التربوي غير متواجد بالشكل الذي ينبغي في تربية أبنائنا في عالمنا العربي، فلا يلقى كثير من الأبناء الاهتمام الكافي نحو تدريبهم على مهارات الإعتماد على النفس، ونتيجة لذلك يكبر أولادنا ، وهم غير متحملين مسؤولية أنفسهم التحمل الكافي، وغير معتمدين على أنفسهم الإعتماد الواجب. والآن، نريد أن يتعلم الأبناء منذ طفولتهم الإعتماد على ذواتهم والإستقلال عن الآخرين في قضاء حاجياتهم الرئيسة، وهذه مبادئ تربوية ومهمة في تربية الأبناء، وتدريبهم عليها واجب تربوي.
والسؤال الذي قد يتبادر في الذهن، كيف أغرس في إبني مهارات تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس؟
وتأتي القاعدة التربوية المهمة، فتقول لك : إذا أردت أن يعتمد ابنك على نفسه، فجرب أنت أن تعتمد عليه حتى تعلمه الإعتماد على نفسه، فإذا كنت أنت أصلاً لا تعتمد عليه في شيء، فكيف إذن سيتسنى له تعلم الإعتماد على نفسه. وإذا كنت أنت غير واثق في قدراته وإمكاناته، وبالتالي لا تعتمد عليه في إنجاز بعض الأمور، فكيف سيثق هو في نفسه، ويركن لقدراته؟
فيكون المطلوب منك أن ترفع يدك عنه وعن مساعدته، وتفسح له المجال ليقضي مصلحته بنفسه، وتتركه لينجز بعض أعماله بنفسه، كترتيب غرفته ، وترتيب حقيبته، وأن يحاول ان يشتري احتياجاته بنفسه ولا بأس أن تكون معه ، لكن تتركه يتصرف بنفسه ، فيقدم أوراقه للمدرسة بنفسه، وتكون أنت معه بمثابة الصاحب في بادئ الأمر ، ويعمل واجباته المدرسية بنفسه، وتكون أنت بمثابة الموجه . ويأكل بنفسه، ويشرب بنفسه، ويلبس ملابسه بنفسه، ويجهز ملابسه، ويرتب حاجاته، وتكون أنت بمثابة المشرف، وبصفة عامة؛ فإن أي عمل يستطيع الطفل أن يؤديه؛ فلا بد أن تساعده، وتفسح له المجال حتى يستطيع أن ينجزه معتمدًا على نفسه.
المشكلة الأساسية التي تعترض طريق تعليم الأبناء في الاعتماد على النفس ،هي أن الآباء والأمهات أنفسهم ، هم الذين لا يستطيعون أن يفطموا أنفسهم عن التدخل في شؤون أبنائهم، ولا أن يبتعدوا بأنفسهم عن الإشتراك معهم في قضاء مصالحهم، ولا أن يتركوا لهم الفرصة ليمارسوا حياتهم بأنفسهم، وقد يكون هذا التدخل بسبب حبهم لأبنائهم، أو بقصد حمايتهم، ولكن الواقع هو أنك تقف عائقا أمامهم عن أداء أدوارهم، وتسلبهم الفرص التي تجعلهم يجربون الإعتماد على أنفسهم، فيكون حبك لهم حبًا ضارًا، وتكون حمايتك لهم حماية مؤذية.
ويجب ان لا ننسى موضوع الإهتمام بتعزيز السلوك الصحيح الذي ينفرد الإبن وخاصة في مرحلة الطفولة بالقيام به حيث ياتي دور التعزيز لسلوك الاعتماد على النفس، فبعد أن يقوم الطفل بأداء أعماله بنفسه، لا بد أن تثني على الطفل، وتمدح قيامه بالعمل أو السلوك الصائب منفردًا، وتشيد به أمام الآخرين من أفراد الأسرة والضيوف على مسمع منه ..وبعد ذلك تأتي مرحلة تدريب الطفل من ذوي الاعاقه على ممارسة المسؤولية المجتمعية.
حيث إننا ننظر إلى فئة ذوي الإعاقة كشركاء فاعلين وأساسيين في بناء مجتمعاتنا، وفي تحقيق الإنجازات المجتمعية ، وقد تبوأ أعداد منهم المراكز المتقدمة في محافل عديدة سواء على المستويين الوطني أو الدولي. ويأتي برنامج المسؤوليهة المجتمعية ، والذي تشرفت بتصميمه ليصب في اتجاه تعزيز مشاركة الأبناء من ذوي الإعاقة للمساهمة المجتمعية الفاعلة والمؤثرة . ويطبق هذا البرنامج حاليا بمركز الدوحة العالمي لذوي الاحتياجات الخاصه كنموذج تجريبي. ، وسوف أحرص بإذن الله على تعميمه في العديد من المواقع والمراكز العربية المتخصصة لاحقا بعد تقييم نموذج الممارسة التجريبي. ويتكون هذا البرنامج من مراحل عديدة للوصول بالأبناء من ذوي الإعاقة إلى فهم وتطبيق المسؤولية المجتمعية منها على سبيل المثال: تدريب ذوي الاعاقه على الإعتمادعلى النفس أو المسؤولية الذاتية، ثم نبدأ في زيادة مساحة تدريبهم على تحمل المسؤولية في دوائر أخرى أكثر اتساعا ، فيبدأ الطفل بتحمل مسؤولية خدمة إخوته، ثم تلي ذلك مسؤولية التواصل مع دائرة الجيران ، ثم دائرة الأقارب، ثم دائرة الشارع أو الحي الذي يقطن فيه، وتظل تلك الدوائر تتصاعد حتى تشمل الأستجابة للحاجات المجتمعية في العالمين العربي والاسلامي، ثم حاجات الإنسانية جمعاء. ونهدف من برنامج المسؤولية المجتمعية إلى إشراك الأبناء من ذوي الاعاقه في سد حاجات مجتمعية حقيقية ، وإشعارهم أنهم أعضاء مؤثرون في جماعات مختلفة، إبتداء من أعضاء أسرته وصولا إلى شرائح واسعة من البشر بصفة عامة، ويعني ذلك أنه مسؤول دومًا أمام نفسه، ثم أمام الآخرين.إضافة إلى ذلك يتعلم الأبناء من ذوي الإعاقة مفهوم الإنسانية، وأهمية وقوفه بجانب الآخرين ومساعدتهم إذا تطلب الأمر ذلك، وربط تطبيق مفهوم المسؤولية المجتمعية بجميع المهارات التي يتدربون عليها ، ونحقق بذلك دمجا مجتمعيا طبيعيا ، وتكون مساهماتهم ذات أثر مجتمعي واضح ومبني على أسس علمية .