د. عادل المرزوقي
لقد جاء إنشاء البنوك الإسلامية تلبية لحاجة ملحة لدى المسلمين، وتنوعت هذه الحاجة بين العامل الديني والعامل الاقتصادي والاجتماعي .. هذا التوجه كان نتيجة لشعور عام لدى المسلمين وتحرجهم من التعامل مع البنوك القائمة والمنتشرة في البلاد الإسلامية والتي يجري التعامل معها على أساس الفائدة، أخذا وإعطاء، حيث لم يكن هناك بديل آخر يجنبهم هذا المسلك في الحفاظ على أموالهم وتوظيفها بالطرق الحلال.
لذلك سعى عدد من الشخصيات الذين كانوا يحلمون بإيجاد بديل عن هذه المؤسسات التقليدية، إلى تأسيس بنوك أو مؤسسات تكون تعاملاتها بعيدة عن هذا المسلك، والذي هو مخالف لصريح عقيدة المسلم في تحريم الربا، وقتما كانت هذه الأمنية صعبة التحقيق وعسيرة المنال، في ظل ثقافة سائدة حيال هذه البنوك القائمة، وفي ظل غياب تام لفكرة إيجاد كيانات تخالف ما هو موجود، أو بمعنى آخر عدم تصور إيجاد منظومة يمكنها أن تحاكي ما هو سائد، وذلك حسب قناعات غالب الأوساط المسيطرة، إلا ما كانت من اجتهادات وجهود هنا وهناك.
ولكن شاء الله أن تحققت تلك الأماني، وها نحن نرى ما وصلت إليه هذه البنوك والمؤسسات المالية التي تتعامل وفق الشرعية الإسلامية، بل وتنافس مثيلاتها، في تحد واضح.
لقد كان شعور كثير من الأوساط من المفكرين والمثقفين بأن البنوك التجارية القائمة لم تقدم الإسهام المطلوب منها في خدمة قضايا المجتمع وخاصة فيما يتعلق بالتنمية، رغم تربع هذه البنوك لأزمان كثيرة واستحواذها على أموال الناس وتوظيفيها كمؤسسات مالية تقوم بالتعامل مع المال أخذا وإعطاء من خلال الفائدة المحرمة.
على الرغم من كل هذا إلا أن أداء هذه البنوك في جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية كان ضعيفا جدا، لأن وجودها لم يكن لهذا الغرض، وإنما فقط لأجل المال … وبات جليا في نظر الكثير من الناس أن هذه المؤسسات لم تحل مشكلة الفقر والمعاناة التي يعيشها الناس، حتى من الذين يتعاملون مباشرة مع هذه المؤسسات .. فلم تستطع مثلا سد الحاجات الأساسية والضرورية في المجتمع، فمازالت الأمية متفشية، ومازال المرض منتشراً وشائعاً، وكذلك الحرمان من المسكن الملائم والمياه الصالحة والصرف الصحي والعلاج والتعليم …وغير ذلك.
في الوقت الذي تتكدس فيه أموال الناس في خزائن هذه البنوك يوماً بعد يوم، محققة لأصحابها المزيد من العوائد والفوائد … ومن هنا كان التطلع شديداً لقيام نموذج من المؤسسات التي تعنى بالمجتمع ، وأحوال الناس .. لا تتطلع إلى جمع المال لأجل المال فقط، وإنما من أجل المصلحة والمجتمع والتنمية.
فرسالة البنوك الإسلامية كانت انطلاقتها من هذا المعنى بداية، فهل تم تحقيق هذه الرسالة أم عراها التقصير في المنهج والتطبيق.
أينًا كان، فإننا نعتقد أن البنوك الإسلامية قد تجاوزت تحقيق هذه الرسالة بشكل عام، حيث سعت في المقام الأول إلى أن تكون معاملاتها طبق ضوابط شريعة، وهذا كان مطلب أساس للمسلمين، كي يبتعدوا عن الربا، والتعامل بالحرام، وكذلك أدت دورها في القيام بالمطلب الآخر وهو تحقيق التنمية المستدامة في المجتمع ،فلا شك أنه رسالة من الرسائل الأساسية للبنوك الإسلامية، بتنمية المال وتوظيفه فيما ينفع البلاد والعباد وتحقيق مسألة الاستخلاف في الأرض، ولا تتحقق مسألة الاستخلاف إلا بتحقيق معاني التنمية، ومن معاني التنمية المساهمة في القضاء على البطالة والفقر، ودعم رسالة المجتمع في الصحة والسلامة وغيرها من خلال بعض الموارد مثل القرض الحسن مثلا أو الزكاة أو الصدقات، و كذلك الرعايات وتبني قضايا المجتمع عامة، وطرح المنتجات التي تلبي حاجات الناس عامة.
لا شك أن هذا من واجبات البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، والتي يجب أن تسعى إليها في رسالة واضحة، فليس هناك أي تعارض كونها مؤسسات مالية تسعى للربح والكسب الحلال، وفي الوقت نفسه لها رسالة في تنمية المجتمع وموارده.
وهذه حقيقةً ؛ رسالة عظيمة تقع على عاتق هذه المؤسسات ومؤسسيها والقائمين عليها، والتي في نظرنا يجب أن تتميز فيها عن غيرها، وتتخذ من المجتمع الشريك الأساسي لها فيما تحققه من نجاحات.