الحماية القانونية للعنصر البشري كبعد اجتماعي للإستدامة
المحامي/ عبدالله ضعيان العنزي – دولة الكويت
بقراءة متفحصة للأهداف السبعة عشر التي أقرتها الأمم المتحدة كرؤية عالمية تحقق التنمية المستدامة، وبالتركيز على الهدف الثالث “ضمان تمتّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار“، وبالنظر إلى العامل المشترك بينه وبين الهدف السادس عشر “السلام والعدل في المؤسسات”، نجد أن كلًا من الهدفين يولي العنصر البشري اهتمامًا خاصًا فالأول يُعنى بحياته وبصحته ورفاهيته والثاني يُعنى بالأمن والآمان ويحظر العنف بكافة صوره وأشكاله حيث أن العنف يفقد الشعور بالسلام فيهدد حياة المجتمعات، فإن لم يتسبب بوفاة بعض الافراد حتما سيكون سببًا للأذى والالم، والذي قد تنتج عنه عاهات وإصابات بليغة، أو أضرار نفسية دفينة قد تؤثر على حياة الفرد وانتاجيته وانخراطه في المجتمع كعضو فعال، مما قد يؤهله ليكون غير سوي في بعض الاحيان بسبب التعرض للعنف والشعور بالقهر والضعف لانعدام الحماية له، فمن الأهمية بمكان إدراج الحرية والسلام والأمن واحترام حقوق الإنسان في إطار التنمية، والتأكيد على أن حاجة المجتمع لمثل تلك الغايات التي ذكرت بالهدفين 3 و 16 حاجة ضرورة دون أدني شك لبناء مجتمع متقدم متطور يعيش حياة حديثة في أمن ورخاء، وهذه هي التنمية الحقيقية في بعدها الاجتماعي، أداتها الرئيسية الانسان وهو كذلك غايتها فالإنسان هو الذي يصنع التقدم ويسخر الحضارة، بما يستخدمه من مختلف الوسائل المتاحة أو التي يسعى إلى إتاحتها وبما يسيطر عليه من استغلال قوى الطبيعة ووضعها في متناوله، وبما يأخذ من تكنولوجيا حديثة وصل إليها بعلمه وفكره، أو بما يضع من نظام وتنظيم يسوس بهما نفسه، ويوازن بهما حقوقه والتزاماته، وحقوق غيره وواجباته، سواء كان هذا الغير أقرب الأقربين إليه كأفراد أسرته، أو غيرهم من أبناء بلده. إلى أن يتسع هذا النظام ليشمل العلاقات بين مختلف الأمم والدول. وما تضعه هذه الدول منفردة من أنظمة أو ما تسنه مجتمعة من علاقات بين منظمات إقليمية متخصصة أو على مستوى العالم كله، فالمقصود بالحماية هنا هو الإنسان وهو جدير بها ومستحقها ومن يصوغ تلك الأطر الحمائية أيضا هو الإنسان فهو الغاية الذي يعيش ويحيى حياة عصره، بما يجب أن يقدمه له هذا العصر وتتحقق رسالته الإنسانية من خلال حياة رغدة في بدنه ونفسه وخلقه وعقله، حياة تجمع بين الخيرات المادية، والخيرات الفكرية، فالتنمية التي تجمع بين المادة والفكر وبين الإنتاج بكل صوره ومظاهره وأساليبه، وبين العقل والضمير وشيوع الحق وترسيخ العدالة صفاء السلام وانتصار القيم، هي التنمية التي نسعي إليها. ولا نحيد عنها حولًا، هي تلك التنمية التي تتفق ورسالة الإنسان في الدنيا ونيابته عن خالقه.
ومن هذا المدخل نتأكد بضرورة وجود القانون أو النظام كضرورة الماء والهواء لتحقيق التنمية المستدامة، سواء في حدود الإقليم ذاته أو في جميع أرجاء المعمورة، فلابد من وجود قوانين تتماشي وخطة التنمية فبإمكان الدول تطويع القانون بواسطة القرارات واللوائح التنفيذية وجعله متوائما مع الخطة الإنمائية، أو أن يتدخل المشرع ويسن قوانين جديدة سواء بتعديل او إلغاء القوانين القائمة إن كان لذلك مقتضى لجعلها متناغمة مع الأهداف المرجو تحقيقها بغية الوصول للتنمية المستدامة، فلا جرم في ذلك كي نمنع وجود هوة أو تصادم بين القانون والإستدامة ونوفق بتذويب أي تعارض ظاهري أو حقيقي بينهما.
فلا غرو أن يكون القانون معبرًا عن مختلف أنشطة الدولة التي تسعى الأهداف المرسومة لتحقيقها، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تحقيق العدل وليس أقوى منه ولا أبلغ منه مهادًا صالحًا وأرضًا صلبة لتحقيق الإستدامة فبالعدل والأمن وبالحق وسيادة القانون يواكب الإنسان التقدم، ويسعى بكل جهد وطاقة وعزة للأخذ بالأهداف التنموية والسير بأسبابها ثم جني ثمارها رغد ورخاء في تنمية مادية وإنسانية.