الدور الاستراتيجي للمسؤولية المجتمعية في المؤسسات لدعم القوة الناعمة..
الكاتبة /فاطمة محمد الصويغ – السعودية
ربما لم يسمع أغلبنا سابقًا بهذا المصطلح، ولا يعرف معناه، فما هي هذه «القوة الناعمة»؟ وما هو دور المسئولية المجتمعية في دعم تلك القوة الناعمة؟
أن مفهوم القوة الناعمة ليس جديدًا لكن المصطلح ذاته ابتكره الباحث والأستاذ في جامعة هارفرد، «جوزيف س. ناي» في تسعينيات، سلط فيه الضوء على قدرة بعض الدول على استثمار عناصر الجذب الحضارية والثقافية دون الاضطرار إلى اللجوء للإكراه، بهدف الإقناع ونشر الدعاية والفكر الوطني؛ عبر الآداب والفنون، وأحيانًا عبر الدبلوماسية الرشيقة.
وذلك أن تمتلك كفرد أو منظمة أو دولة قوة ناعمة يعني أن تجعل الآخرين يتخذون موقفًا إيجابيًا من القيم و الأفكار الخاصة بك، وبالتالي تتفق رغبتهم مع رغبتك دون أي إلزام، هنا نخلص بأن القوة الناعمة أحد المفاهيم الكبرى في أدبيات العلوم المجتمعية والسياسية، ويقول مؤسسها جوزيف ناي: (إنها – أي القوة الناعمة – أكبر من مجرد التأثير في الآخرين بإقناعهم بالحجج، بل هي أيضًا القدرة على الجذب مما يؤدي إلى مرحلة الإذعان).
هنا يصل بنا المسار بأننا نتفق بأن القوة الناعمة أضحت نمطًا أساسياً في كسب العقول وتطويع العواطف وتقديم النموذج الجذاب، وتعتمد هذه القوة على الثقافة، و المبادئ السياسية، والسياسات المتبعة.
أستطيع القول بأن نجاح المسؤولية المجتمعية في دعم القوة الناعمة لا يقتصر فقط على جهد واحد، بل بحاجة لتضافر جميع الجهود من أجل الإسهام الفعال في بناء مجتمعٍ يتمتع أبناؤه بروح المبادرة والمسؤولية نحو تشكيل واقعٍ مغاير للواقع الحالي، وهذا لن يتم إلا باقتناع كل فردٍ ومواطنٍ بأهمية المسؤولية المجتمعية، وأن تكون نابعة من داخله حتى تتوحد هذه الجهود في بناء منظومة اجتماعية يشارك فيها الكل، ويشعرون بأنهم أعضاء فاعلين لديهم القدرة على تحمل أعباء الواقع و أن يكون لهم تأثيرٌ فعلي على أرض الواقع .
وتهدف إستراتيجية القوة الناعمة إلى إعداد منظومة حكومية شاملة لبلورة برامج وسياسات عمل مستدامة ذات بعد إقليمي وعالمي، يشمل كافة مقوّمات الدولة الاقتصادية والثقافية والفنية والسياحية والإنسانية والمجتمعية، وإبراز الصورة الحضارية لدولة ما وإرثها وهويتها وثقافتها المميزة وتحسين سمعتها، بما يخدم أهداف الدولة ومصالحها.
فالإمارات كانت تروج وبامتياز عن القطاع السياحي من خلال مهرجانات للتسوق وأقامت معارض عالمية و فنادق فخمة وكرست اهتمامها من أجل الجذب السياحي، وقد تهافت الكثيرون إلى دبي بهدف الاستثمار السياحي، لمّعت صورة الإمارات عالمياً والهدف هو السعي لترسيخ وجودها لدى الشعوب في المحيطين الإقليمي والعالمي، ويقف خلف هذا العمل “مجلس القوى الناعمة” الذي تأسس عام 2017م، يقوم عليه أعضاء من كبار قيادات الدولة لتطوير إستراتيجية شاملة الجوانب العلمية الثقافية والفنية والإنسانية والاقتصادية، وفي السعودية توجد مصادر القوة الناعمة جعلتها ذات ثقل سياسي واقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، أهمها المكانة الدينية، حيث شع من أراضيها نور الإسلام، بوجود الأماكن المقدسة، فهي الرابط الروحي لقلوب المسلمين أيًا كانوا، فكانت فرصة لاستثمار هذه المكانة في دعم القوة الناعمة.
فالدولة التي تمتلك آثارا، وتاريخا، وحضارة، وفكرا وثقافة، لكن ينخر في مؤسساتها عدم الكفاءة، وضعف الأداء والفساد، لن تحسن الإفادة من القوة الناعمة التي تمتلكها ما لم تكن تلك المقومات مصدر إلهام واستنارة ، ولا تسود تفسيرات مشوهة له تدعو إلي التعصب والكراهية، وهو عمل يتطلب إبداع والمؤسسات التي تقوم باستمرار على إثرائه، والعناية به، وتحقيق الاستدامة فيه عبر تسليط الضوء على المنجزات العلمية والفنية والثقافية والاقتصادية، وفتح قنوات تواصل بين الشعوب.
فمن مصادر القوة الناعمة التي تدعمها المؤسسات والتي يمكن أن تكون محل إعجاب واقتداء من الغير، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
- دعم الموروث الشعبي بطرق ذكية يبثّ معه القيم العربية.
- تسليط الضوء على المنجزات العلمية والفنية والثقافية والاقتصادية.
- المشاركة في القضايا العالمية جاذبة مثل مبادرات الحفاظ على البيئة ومكافحة الأمراض والأوبئة.
- تشجيع ودعم الأبحاث والباحثين في مختلف المجالات العلمية.
- المشاركة في مختلف الجوائز العالمية.
- دعم وتشجيع براءات اختراع .
- استقطاب الطلاب الدارسين خارج بلادهم.
واليوم لا تعتبر المؤسسات كيانات اقتصادية وخدمية فحسب، بل كيانات ترتبط بالدولة التي تعمل فيها ذات أهداف اجتماعية ووطنية وإنسانية، وليس عمليات معزولة عن أهداف المجتمعات والدول وتطلعاتها.
فنجاح المؤسسات في مسؤوليتها لدعم القوة الناعمة يعتمد أساسا على الالتزام والاحترام والمسؤولية في ممارستها التي تصب في خدمة الوطن، وعلى الجهات المعنية بشكل مباشر بالقوة الناعمة كوزارة الخارجية ووزارة الإعلام بتبني فعاليات يشارك فيها المهتمون لبلورة رؤية وطنية ناضجة وفعالة لكيفية تفعيل القوة الناعمة في الوطن العربي .
المصادر:
- القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية، جوزيف ناي.
- موقع :استراتيجية القوة الناعمة لدولة الإمارات – البوابة الرسمية لحكومة.