الصيرفة الخضراء
بقلم : سعادة الأستاذ عدنان أحمد يوسف
السفير الدولي للمسؤولية المجتمعية
لا شك أن عقد مؤتمر وجائزة المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية الخامس للشراكة والمسؤولية المجتمعية لعام 2020 تحت شعار “الصيرفة الخضراء وأدواتها لتعزيز الممارسات المسؤولة وتحقيق التنمية المستدامة” في مملكة البحرين كان حدثا بالغ الأهمية يسلط الضوء على قضية باتت تشغل العالم بأجمع، خاصة في مثل هذه الظروف، حيث تبرز جائحة كورونا الأهمية العظمى لتحويل الاستثمارات نحو الحفاظ على البشرية من الكوارث والأوبئة.
وإننا إذ نتوجه بالشكر والتحية لمنظمي المؤتمر لكافة الجهود التي بذلت، فإننا نقدر حرصهم على إطلاق دورة المؤتمر هذه باسم الشيخ صالح عبد الله كامل رحمه الله مؤسس مجموعة البركة المصرفية، بل ومؤسس ورائد النهضة المصرفية الإسلامية الحديثة الذي ترك خلفه شعلة من القيم النبيلة والمنهج الصالح اللذين سنظل نلتزم بطريقهما .
كما أن عقد المؤتمر في البحرين ينسجم تماما مع رؤية البحرين 2020. فقد واكبت المملكة البدايات الأولى للاقتصاد الأخضر باعتباره نشاطا اقتصاديا صديقا للبيئة وأحد سبل تحقيق التنمية المستدامة حيث كانت البداية من قمة الأرض (ريو دي جانيرو – 1992). وحرصت المملكة على الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة والبديلة انطلاقاً من استراتيجية وطنية تهدف إلى رفع كفاءة استخدام أنظمة الطاقة، وتوفير ما يقدر بـ 230 مليون دينار بحلول عام 2025، إلى جانب ضمان تحقيق الاستغلال الأمثل لظروفها المناخية، والاستفادة من الميزة النسبية التي تتيحها الطاقة الشمسية بها، ومن ثم المساهمة مع أجهزة الدولة الأخرى في جهود حماية البيئة، ومن ثم تأكيد التزام البلاد بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي غضون سنوات قليلة، حققت البحرين خطوات ملموسة لترجمة توجهاتها في مجالات استخدام مصادر الطاقة المتجددة، توجت بالمرسوم الملكي الصادر عن صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين ورعاه رقم 87 في أكتوبر 2019 بإنشاء هيئة مختصة تُعنى بمصادر الطاقة الطبيعية ذات الطابع الدائم والمستمر.
كما تجسد التوجه إلى الطاقة المتجددة عبر السياسات والبرامج التي تم تدشينها خلال السنوات الماضية، وبخاصة مع صدور الخطة الوطنية لاستخدام الطاقات المتجددة وكفاءة الطاقة عام 2017، وتضمنت العديد من المبادرات، ويمكن تلمس ملامحها في عدة مشروعات، فضلا عن إنشاء اللجنة الوطنية التي عُنيت بمتابعة وتنفيذ هذه المبادرات، ونجحت في التعريف بالموارد الطبيعية التي تتوفر بالبلاد، والسبل المناسبة لاستدامتها ولاستغلالها بالشكل الأمثل. وبطبيعة الحال لن يسعنا المجال هنا للتطرق لكافة هذه المبادرات.
أما على الصعيد المصرفي، يعتبر تدشين مصرف البحرين المركزي مبادراته الاستراتيجية في التحول الرقمي دفع كبير وواسع للصيرفة الخضراء في البحرين، حيث أرست هذه المبادرات البيئة التشريعية والتقنية والمالية الملائمة لقيام البنوك بإطلاق سلسلة من مبادرات الصيرفة الرقمية والصيرفة المفتوحة التي لا يسع المجال هنا لحصرها جميعها، والتي نستشعر أهميتها في مثل هذه الظروف.
كما أن مصرف البحرين المركزي من رواد المصارف المركزية التي قامت بإصدار صكوك السلام والتأجير الإسلامية كأدوات للدين، وبالتالي فأن السعي لربطها بأصول مرتبطة بمشاريع الطاقة المتجددة والبيئة سوف يعزز من سوق الصكوك الخضراء والصيرفة الخضراء في البحرين. كما أنه ونظرا للمشاريع الكبيرة التي تعتزم الدولة تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة ستكون هناك فرص كبيرة أمام القطاع الخاص والبنوك لتطوير منتجات الصيرفة الخضراء والصكوك الخضراء لتمويل هذه المشاريع.
وبتشجيع من مصرف البحرين المركزي وقعت جمعية مصارف البحرين في العام 2018 مذكرة تفاهم مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البحرين، تهدف إلى تعزيز التعاون في مجال إدماج أهداف التنمية المستدامة(SDGs) في أعمال البنوك والمؤسسات المالية في مملكة البحرين، والسعي مع مصرف البحرين المركزي إلى تطوير تشريعات تخدم هذا التوجه.
وفي مطلع هذا العام وقع صندوق العمل “تمكين” اتفاقية تعاون مشتركة مع عدد من المصارف في مملكة البحرين وذلك لتمكين المؤسسات الراغبة من الحصول على تمويل شراء وتركيب الألواح الشمسية لتوليد الطاقة فضلاً عن دعم تكلفة مراجعة حسابات الطاقة الشمسية. كما يمكن أن نشير إلى تجربة بنك البركة الإسلامي الذي وقع اتفاقية لتوفير التمويلات للعملاء الراغبين باستخدام حلول الطاقة النظيفة والمتجددة.
إن القطاع المصرفي سواء في البحرين أو العالم يستطيع أن يلعب دورًا حاسمًا في بناء اقتصاد مستقر ومزدهر في ظل تطبيق مبدأ المسؤولية والمساءلة. ووفقًا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هنالك فجوة سنوية تبلغ 2.5 تريليون دولار لازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بينما يتطلب تطبيق حلول الطاقة المتجددة استثمارات صافية إضافية بقيمة 1.4 تريليون دولار، أو ما يقارب 100 مليار دولار سنويًا في المتوسط بين عام 2016 (وفيها اُعتمدت أهداف التنمية المستدامة) وعام 2030 وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا).
من ناحية أخرى، يسلط تقرير حديث صادر عن المفوضية العالمية للاقتصاد والمناخ الضوء على أن التحوّل إلى نهج مستدام منخفض الكربون للنمو يمكن أن يؤدي إلى ازدهار اقتصادي يبلغ 26 تريليون دولار حتى عام 2030، ويساعد على توفير أكثر من 65 مليون فرصة عمل جديدة. وتقدّر “شركة تمويل تطوير البنية التحتية” التمويل الأخضر بما يصل إلى 134 مليار دولار. ووفقًا لشركة “تومسون رويترز”، في عام 2019، تم إصدار ما مجموعه 185.4 مليار دولار من السندات الخضراء، وهي صكوك سوق الدين، حيث تخصص عوائد المشاريع المؤهلة الخضراء التي تستهدف أنشطة تخفيف آثار تغيّر المناخ والتكيّف معه، إضافة إلى القضايا البيئية الأخرى مثل الطاقة، والمياه، والنقل، والنفايات، والمباني، وما إلى ذلك.
وكما ذكرنا في مطلع هذا المقال، فإن الأوضاع الإنسانية الصعبة التي نعيشها اليوم الناجمة عن جائحة كورونا تبرز الحاجة الملحة لتوجيه مواردنا المالية واستثماراتنا نحو ما ينفع الإنسان في المحافظة على حياته وصحته وتعليمه وعمله، وهو ذات النهج المسؤول للاقتصاد الأخضر والصيرفة الخضراء. ونتطلع أن تكون المملكة إن شاء الله قدوة في هذا المجال.