المرأة الموريتانية: التمييز الإيجابي المستمر
لقد كانت المرأة الشنقيطية محظوظة جدا بوجودها فى مجتمع كمجتمع شنقيط أرض المنارة والرباط – حسب التسمية القديمة – وتحديدا فى مرحلة ماقبل الدولةـ حيث كانت التاج والقاعدة والسند والمرجع والقبلة التى يؤمها الجميع، مستفيدة في ذلك من تشبث المجمتع الشنقطي حينها بتعاليم الشريعة السمحة، والتى تتعامل مع الذكر والأنثى بالسوية( إنا خلقناكم من ذكر وأنثي) لافرق بينهما الإ بالتقوي والتضحيات الفردية، فكانت المرأة الموريتانية خديجة فى تجارتها و رجاحة عقلها وحسن اختيارها للشريك وبذلها، كما كانت أسماء بنت أبي بكر – ذات النطاقين – في تضحياتها رغم الشقة وظروف الحمل، وكانت عائشة في حفظها للوحيين وتعليمها لهما، وكانت هند فى عفتها(أتزني الحرة؟) ، وكانت الخنساء فى شعرهاـ فقد إخترعت المرأة الموريتانية لنفسها لونا شعريا جديدا يتمحور اساسا حول التغزل بالرجل وذكر خصاله والعرفان له (نزرك تْخميمَ؟… فالْغَيْرُ إن الكريمَ) ومعناها أنها تقول لنفسها إياك أن تفكري في غيره واصفة مجرد التفكير في غيرة بالمعرة وضمنت المقولة المالوفة 🙁 إن الكريم عن الخنا لمبعزل).
كل هذا وغيره جعلها تحتل المكانة اللائقة بها فى المجتمع، تجلى ذلك في الود القائم بينها وبين الرجل والتكامل لا التعارض والتنافر، فقد كانت حينما يتقدم إليها من ترضى خلقه ودينه يريد أن يتزوجها تشترط عليه شرطا خاصا بها يسمى(لاسابقة ولالاحقة) ومفاده أنها لاتقبل بزوجة قبلها ولابعدها، والفقهاء يحكمون لها بشرطها هذا.
ومن أهم مايميزها عن المرأة في باقي المجتمعات هو أنها في حالة الطلاق أو فقد أو موت الزوج لاينظر إليها الرجل بالدونية أبدا بل إنها تظل محتفظة بنفس القيمة والمكانة التى كانت عليها في السابق ويمكنها أن تتزوج فور خروجها من العدة. مباشرة ، وظلت المرأة على هذه الحالة حتى دخل المجتمع – كغيره من المجتمعات – مرحلة جديدة من تاريخه عرفت بمرحلة الدولة والتي رافقها العديد من التحولات والانقلابات على كل النظم السائدة والمالوفة، بغية استبدالها بمفاهيم وقوالب جديدة وافدة، كما ظهرت حركات نسوية غربية وعربية تطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات رافضة السلطة الذكورية والهيمنة على المراة، إلا أن الثابت الوحيد الذي لم يخضع للإستبدال هو مكانة المرأة الموريتانية، لأنها لم تفقدها يوما خلافا للمرأة في باقي دول العالم وخاصة المرأة الغربية التى كانت تعاني من فقد الحقوق الأساسية.
واجتازت المرأة الموريتانية هذا المنعطف التاريخي الفارق في تاريخ المرأة العربية التى كانت تعاني على كافة الأصعدة، وما إن إستقلت شنقيط وصار اسمها الجمهورية الإسلامية الموريتانية وبدأت المؤسسات تتشكل حتى شاركت المرأة كعادتها فى بناء مجتمعها فكانت حاضرة في السياسة والتعليم والدبلوماسية، وترشحت لرئاسة الدولة وشغلت عشرات المناصب الإدارية السامية مثل رئاسة مجالس الإدارة والإدارات العامة لمؤسسات عمومية كالوكالة الموريتانية للأنباء وقناة الموريتانية ، وظل إصرارها على مزاحمة الرجل يتطور شيئا فشيئا، حتى كانت أول وزيرة للخارجية فى العالم العربي من نصيب المراة الموريتانية وهي السيدة/ الناهة بنت مكناس، كما تصدرت الدولة الموريتانية الدول العربية في عدد الوزيرات رغم الفارق الشديد فى عدد السكان بين هذه الدول، فاحتلت المرتبة الأولى بعدد 9 وزيرات فى الحكومة .
أما فيما يتعلق بمسؤولياتها تجاه المجتمع ورسم سباساته وخططه التنموية فقد نشطت المراة بشكل لافت فى المجالات الخاصة بالمرأة وتمكينها سواء تعلق الأمر بوزارة خاصة بالمرأة والشؤون الاجتماعية، أو بالصحة فقد تم تشييد منشأة صحية كبرى تحت اسم الأمومة ، وكذلك تم تشييد مركز خاص بأطفال التوحد، هذا فضلا عن العديد من النشاطات المختلفة التي تقوم بها المرأة في شتى مجالات المسؤولية المجتمعية، فكم من حزب سياسي- عندنا- ترأسه امرأة، وكم من إمرأة في البرلمان ، وكم من إمرأة ولجت سوق المال والأعمال فقد إخترقت النساء عالم المال والأعمال فى وقت مبكروحققن الكثير من النجاحات في هذا الصدد بل يمكن القول إنهن سيطرن على السوق التجاري الموريتاني حيث أنشأن اسواقهن الخاصة بهن كسوق “شنقيط” المعروف بسوق النساء والذي أسسه اتحاد التجارات المقاولات، ومع الوقت طورن تجارتهن من خلال الإستيراد من أوروبا والصين حتى إن بعضهن دخلن مجال تجارة السيارات والعقارات والمناقصات والبورصة وتجارة العملات،ولا يسعنى هنا إلا أن أشيد بدورالرجل الموريتاني الذي لم يقف عائقا دون وصول المراة للمكان الذي ارتضته لنفسها، بل إنه كان رهن إشارتها يأتمر بامرها ويساعدها إذا أقتضت الحاجة ، وهكذا حافظت المرأة على مكانتها طول الوقت وسلمت من الصراعات العنيفة التى حدثت في بعض البلدان، وكانت نتائجها سلبية فى الغالب؛ لأنها أسست لأمور هي أقرب إلى التنافر والصراع من التكامل، وهذا عكس الأولى والفطرة.
وخلاصة القول إن المرأة الموريتانية حظيت بظروف ملائمة ومناخ معتدل مكنها من إنجاز الكثير، إلا أنه مازال خجولا مقارنة بالفسحة التى تعيشها والقدرات التي تمتلكها؛ فهي قادرة على أن تتبوأ مكانة عالية في التعليم السياسة والتجارة والاجتماع، وكافة مجالات التنمية المجتمعية.
سيداحمد باب