المرأة فى السودان بين أهداف الإنمائية وقاع الواقع
د. حافظ مكي
– نساء السودان عبر التأريخ كان لهن أدوار كبيرة وعظيمة وذلك فى العصور المختلفة – ففى تأريخ السودان القديم – كن حاكمات فى العصور النوبية الأولى – قبل دخول المسيحية والإسلام للسودان فى الفترة 900 قبل الميلاد- 350 ميلادية – وإشتهرن فى ذلك الزمان بإسم (كنداكة ), فقد كانت المراة قائدة سياسية و إ جتماعية وإن دعت الضرورة فهى مقاتلة شرسة .
– فى التأريخ الحديث ظهرت قيادات مازلن فى فى ذاكرة التأريخ السودانى وذلك فى عهد الثورة ضد المستعمر الإنجليزى كانت أشهرهن (مهيرة بنت عبود )-التى كان دور كبير فى تعبئة القبائل السودانية المتاخمة لنهر النيل فى مناطق قبائل الجعليين والشوايقة وذلك ضد المستعمر التركى والمصرى الدخيل – خصوصاً عند معركة كورتى شمال السودان فى العام 1820م .
– أما فى التأريخ المعاصر فقد نافست المراة السودانية الرجل فى كل المجالات المختلفة وذلك بعد إرتيادهن مؤسسات التعليم العام والعالى وذلك منذ العام 1930 –بل تفوقت المرأة السودانية وتحصلت على أرفع الدرجات العلمية – ولمعت إجتماعياً وثقافياً- و فى المجالات الإقتصادية وريادة الأعمال- أما سياسياً فقد نالت حق التصويت منذ العام – 1953- ثم حق الترشح فى العام 1964 .
– زاحمت المرأة السودانية الرجل فى كل مجالات العمل المختلفة – بل تفوقت أكاديمياُ فى إمتحانات دخول المرحلة الجامعية طيلة العشرين عاماً السابقة منذ بداية هذة الألفية – فقد كانت دوماً هى الأولى على مستوى هذة الشهادة إلا قليل.
– بذلك إقتلعت المرأة السودانية حقها كاملاً فأصبحت سفيرة ووزيرة إتحادية وقاضية بل حتى رئيسة للجهاز القضائى على مستوى السودان ثم حاكمة إقليم .
السطور أعلاه توضح مدى التقدم الذى وصلت إليه المرأة فى السودان – محققة بذلك كل أهداف التنمية المستدامة وقبلها كل أهداف الألفية الإنمائية – مسطرة بذلك صفحات بيضاء فى تأريخها الممتد عبر العصور المختلفة – وكل ماذكر هو غيض من فيض.
ولكن رغم ذلك التقدم الذى تحقق فى مجال تنمية المرأة فى السودان إلا أن التحديات والواقع مازال مريراً- ومازالت المطلوبات كثيرة – فى ظل بلاد مليئة بالقبائل المتعددة التى تمتاز بتنوع ثقافى مختلف و متعدد كانت ومازالت له آثار سالبة تلقى بظلالها على واقع المرأة الأليم فى كثير من جهات السودان المختلفة – مما يجعل المسئؤلية متعاظمة تحتاج إلى تضافر الجهود المختلفة من مؤسسات حكومية ومنظمات دولية ووطنية وتشكيل تنظيمات نسوية وذلك حتى نزيل كثيراً من التشوهات التى أصابت واقع فى المرأة السودانية والتى أثرت سلباً على تأريخ كانت فيه هى الرائدة والقيادية الملهمة .
أبرز تلك التحديات:
- زواج القاصرات :إزدادت هذة الظاهرة بصورة كبيرة – وأثرت الظروف الإقتصادية المتردية بصورة خاصة على إنتشار هذة الظاهرة – خصوصاً فى المناطق الريفية – حيث أن السودان يعيش معظم سكانه فى الريف – و منعت هذة الجريمة الفتيات الصغيرات من مواصلة التعليم – فمعظم الصفوف المتقدمة فى مدارس التعليم الأساسى الريفية لاتصل فيها الفتيات أكثر من الصف الخامس ونادراً ما يكملن مرحلة التعليم الأساسيى رغم تفوقهن على الفتيان – وعرض هذا الزواج المبكر كثيراً منهن للموت والوفاة لعدم إكتمال النمو الجسدى والعقلى لديهن .
ختان الإناث : ختان الإناث فى السودان مربوط بناحية ثقافية تقليدية بحتة – فلدى الكثير من القبائل فى الريف – بل حتى عدد من سكان الحضر يعتبرون أن الختان هو حفظ للمراة وكمال لزينتها وشرفها – ويتم ذلك فى كثير من الأحيان دون مراعاة للطريقة و الأدوات والكيفية – أدى ذلك إلى إشكالات آنية من تسسم وأمراض أخرى مستقبلية مما يؤدى إلى الموت الآجل أو العاجل .
- حالات أخرى تحتاج إلى تكاتف :
- النساء المطلقات – أصبحث ظاهرة كبيرة تحتاج إلى تدخل – قد يكون أحد أسبابها – الزواج المبكر – معظم المطلقات أيضاً هن فتيات فى مقتبل الأعمار .
- نساء السجون – لكثير من الأسباب منها الإقتصادية- أعمال تجارية متعثرة وشيكات من البنوك – وممارسة مهن تتعارض مع القانون – ومنها الإجتماعية فمعظم هؤلاء النساء من المطلقات أو الأرامل أو المهجورات اللائى ضاقت بهن الطرق فى مجال البحث عن عمل .
- النساء ذوات الإعاقة – فهن أكثر النساء إهمالاً من المجتمع بل حتى من أسرهن – خصوصاً ذوات الإعاقة المزدوجة أو المركبة إذ لاتوجد لهن كثير من الفرص للتعليم أو العمل أو حتى الحياة بصورة كريمة – الفتيات والرجال أكثر حظاً منهن .
- نساء نازحات – ما زالت الصراعات الجهوية والقبلية فى السودان متواصلة ومحتدمة حتى فى شهر رمضان المبارك هذا الأخير – فالأكثر تأثراً هن النساء والأطفال – فأحد إفرازات الصراع هو النزوج والهروب وترك الديار أو القرى مكان الإقتتتال , والنزوح إلى مناطق اخرى تتعرض فيها المرأة للإذلال والإستغلال فى سبيل بحثاً عن أبسط مقومات الحياة –خصوصاُ إذا فقدت من يعيلها .
- نساء لاجئات- من دول مجاورة – وأكثر اللاجئات هن من دولة جنوب السودان – فما زالت بعض الأسر التى تعليها نساء مازالت موجودة فى شمال السودان – وتعذر رجوعهن إلى ديارهن التى مازالت تعج بالقتال أيضاً- تعيش هؤلاء النساء أقسى ظروف العيش –أيضاً اللاجئات فى شرق السودان من دول دولتى إثيوبيا وإيريتريا بسبب الجفاف فى تلك الدول ومحاولة البحث عن عمل فى شرق السودان – مما يعرضهن لكثر من المخاطر والعيش فى مستوى دونى.
- النساء والعمل الهامشي غير المقننة :بسبب الظروف الإقتصادية والإجتماعية تلجأ عدد من النساء للعمل من أجل كسب عيش كريم فتضطر إلى القيام بأعمال لا تتاسب وتكوينهن الجسماني – فبعض من النساء فى المدن يقمن بأعمال فوق طاقتهن مثل أعمال المبانى وصناعة الطوب ونظافة الطرقات والعمل فى البيوت وهن فقط عاملات باليومية دون أى حماية قانونية وقد يتعرضن لكثير من الإستغلال – وأما المرأة فى الريف – ومعظمهن طفلات فيسرن لمسافات طويلة من أجل جلب المياه أو جلب الحطب لنار الطعام وكذلك المشاركة فى رعى الحيوانات وجلب المواد للمبانى .
- إذاً الناظر إلى واقع المراة فى السودان يجد كثير من التناقضات – فلها تأريخ مشرق ومشرف مقارنة بكثير من دول المحيط الأفريقى والعربى – ولكن تظل التحديات كبيرة ومتعاظمة فى ظل نهضة تنموية تستهدف المرأة كشريحة هامة فى المدن والأرياف تحتاج إلى تضافر المسؤليات المختلفة للنهوض بها من جديد .