مفاهيم اقتصادية
المسؤولية الإجتماعية في قطاعات النفط والغاز-1
بقلم : أ.د علي عبدالله آل إبراهيم
كنت في دعوة لتقديم محاضرة في الغرفة التجارية والصناعية بمدينة جدة عن “المسؤولية الإجتماعية في قطاعات النفط والغاز،والبتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي”. وكان من ابرز ملامح تلك المحاضرة ، والتي سأقدمها على حلقات لأهمية مضمونها على النحو التالي:
• أن اكتشاف النفط والغاز، واستغلالهما تجاريا أثر على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وأحدث تحولات اقتصادية واجتماعية مهمة. وذلك لأن النفط والغاز أصبحا القطاعين الرئيسين والمساهمين الأساسيين، في النشاط الاقتصادي لتلك الدول، وأدى ذلك إلى أن يصبح الإنفاق الحكومي محدداً رئيسياً لمسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الثلاثين الماضية.حيث أشارت التقارير الإقتصادية إلى أن كان لتصحيح أسعار النفط في منتصف سنوات السبعينات وازدياد الموارد المالية الناجمة عن ذلك الأثر الكبير في تسريع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد قامت دول المجلس بانجاز مشروعات البنية الاساسية ومتطلباتها من خدمات ومرافق كالكهرباء والماء والطرق والموانئ والمطارات ووسائل الاتصال الحديثة كما تم إنشاء الكثير من المناطق والمدن الصناعية المزودة بالمستلزمات الاساسية لتشجيع الاستثمار الصناعي.
• وحين نسلط الضوء على الدور الإجتماعي لشركات النفط الخليجية ،من حيث الممارسة والاداء، يقول الكاتب السعودي الدكتور عبدالله علي البراهيم” ينبغي التفريق بين حقبتين من الزمن، كما ينبغي أيضاً تقسيم الدور الإجتماعي لتلك الشركات إلى قسمين رئيسيين: داخلي ويختص بمسؤولية الشركة الأخلاقية تجاه حقوق العمال وبيئة العمل، وخارجي يتعلق بالمسؤولية تجاه المجتمع المحلي والبيئة المحيطة التي تعمل فيها الشركة.
ففي بداية الحقبة الزمنية الأولى، في الثلاثينات وحتى الخمسينات، مارست الشركات الغربية ، وخاصة الأمريكية والبريطانية المالكة لتلك الشركات، والتي لها حقوق التنقيب على النفط، ازدواجية التطبيق حيث كانت هناك بعض الخروقات الخارجة عن أخلاقيات العمل وحقوق العمال المتعارف عليها في بلد الشركات الأم.
• ويضيف الدكتور البراهيم في سلسلة مقالاته في صحيفة اليوم السعودية “بأنه كان التباين الكبير في الرواتب والاجور، وبيئة العمل ،والسكن والترفيه بين فئات الموظفين حسب الجنسية. ويذكر جيدا العمال القدامى مدى التمييز في مكاتب العمل ،ومن ابرز مظاهره : تخصيص مياه الشرب الباردة لكبار الموظفين فقط، وكذلك كان التباين في أماكن الترفيه واضحا بتخصيص صالة للسينما مغطاة ومكيفة لكبار الموظفين وصالة أخرى مكشوفة صيفا وشتاء لبقية العمال . وفي الحقيقة أن الوضع كان متشابه في جميع دول الخليج العربي، وخاصة في شركاتها البترولية، أبان الشراكة والإدارة المباشرة من قبل الشركات الغربية لقطاع النفط. وقد عملت العمالة الخليجية خلال تلك الفترة بجد من اجل الحصول على حقوقها، فحدثت سلسلة من الاحتجاجات العمالية مطالبة في الشركات الغربية العاملة في دول الخليج العربي، للمطالبة بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل وتحسين الظروف المعيشية وبيئة العمل. وعلى اثر ذلك تم القبول بالكثير من المطالب وبدأت الأمور تتغير وتتحسن تدريجيا.
ويضيف الكاتب البراهيم بأنه “بدأت الشركات بعد ذلك ،تقديم خدمات وبرامج عديدة يندرج معظمها تحت مسؤوليتها الاجتماعية الداخلية، والتي تهدف لرفع المستوى التعليمي والصحي والمعيشي لموظفيها فوضعت برامج للتدريب والتعليم والابتعاث الخارجي في وقت مبكر، وانشأت العيادات الصحية والتثقيف البيئي ومراكز الترفيه. وشرعت بالاتفاق مع الحكومات الخليجية، في بناء مدارس لمراحل تعليمية مختلفة للبنين والبنات ، مع تجهيزها وصيانتها لابناء موظفيها في مناطق سكناهم في مدن المنطقة، ولاحقا أنشأت الأحياء السكنية المجهزة بالبنية التحتية (ما يعرف بمدن العمال) ،وتقديم الأراضي المجانية والقروض السكنية الميسرة ،ووسائل النقل المجاني من وإلى مناطق العمل. أصبحت بيئة العمل ومميزات العمال والموظفين من الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية مثالا ونموذجا يحتذى به من قبل الشركات الاخرى ومصدر إعجاب الكثير من المواطنين والباحثين عن العمل.
• وفيما يخص الجانب الآخر من المسؤولية الاجتماعية والمتعلقة بخدمة المجتمع المحلي والبيئة المحيطة فكان لشركات النفط الخليجية ،دور رائد في جوانب متنوعة وحيوية. فهي ساعدت في تحسين الوضع الصحي والبيئي لسكان المناطق التي تعمل فيها ، كما ساهمت عبر برنامج بناء المدارس بتوفير مقاعد دراسية لكثير من أبناء المنطقة، وكذلك في تطوير البنية التحتية القريبة من مناطق العمل من خلال ربط المدن بشبكة طرق معبدة. كما كانت للشركات النفطية في الخليج مساهمات بارزة في المجال الإعلامي والثقافي، كالدوريات، والقنوات التلفازية، ودور السينما ونحو ذلك.