المسؤولية الاجتماعية – الواقع والمأمول
إن المتأمل لديننا الحنيف يدرك أن من خصائص مجتمعنا الاسلامي التكافل الاجتماعي وتدرج حقوق الرعاية لجميع أفراده، وأنه حيثما وجدت مشكلة جماعية كان العمل الجماعي لحلها أجدى, وكلما كان العمل الجماعي منظم ومدروس كلما ارتفعت الكفاءة في الوصول لتحقيق الأهداف.
وتعتبر المسؤولية الاجتماعية إحدى صور هذا التكافل الاجتماعي ومن الواجبات التي تناط بكل شخص تجاه مجتمعه لما لها من دور فاعل في مساعدة الآخرين على تخطي العقبات والتحديات التي يواجهونها، وقد احتلت المسؤوليات الاجتماعية في العالم دورا مهما في العديد من القطاعات خلال الفترة الأخيرة، وأصبحت ركنا أصيلا في استراتيجيات قطاع الأعمال من شركات ومؤسسات، وصلت لدرجة أصبحت هذه الجهات تضع مقاييس ومعايير لمدى التزامها وتنفيذها لبرامج المسؤولية الاجتماعية، بينما ما زلنا كمجتمع مسلم نهمش هذا المفهوم الأصيل ونتهرب منه عبر وصفه عملا خيريا قائما على العطاء السري (الصدقة) دون إدراك بأنه عمل تنموي حق لكل فرد من الفقراء والمحتاجين عند الأغنياء.
عرف “البنك الدولي” المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال بأنها: التزام أصحاب المؤسسات والشركات بالمساهمة في التنمية المستدامة، وذلك من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلي والمجتمع ككل، بهدف تحسين مستوى المعيشة بأسلوب يخدم التجارة والتنمية في آن واحد.كما عرفها كثير من الباحثين من وجهات نظر مختلفة بأنها: مبادرة أو سلوك أو التزام على منشأة الأعمال تجاه المجتمع الذي تعمل فيه، وذلك عن طريق المساهمة بمجموعة من الأنشطة الاجتماعية، مثل محاربة الفقر، وتحسين الخدمات الصحية، ومكافحة التلوث وخلق فرص عمل، وحل مشكلة الإسكان، والمواصلات وغيرها.
ولا يوجد حتى الآن اتفاق على تعريف موحد للمسؤولية الاجتماعية عالميا، ولكن هي وجهات نظر تختلف من بلد لآخر إلا أنها تتفق على الأثر الايجابي الذي ينبغي على القطاع الخاص أن يؤديه في المجتمع.
ولا يزال مفهوم المسؤولية الاجتماعية غير واضح لدى كثير من الجهات سواء الحكومية أو الخاصة، فكثيراً ما تستخدم هذه الجهات عبارة (من باب مسؤوليتنا الاجتماعية) دون ادراك تام لماهيتها.
وتختلف مجالات المسؤولية الاجتماعية من دولة لأخرى ومن مجتمع لآخر، ولكن تتفق المجالات على أنها إسهامات القطاع الحكومي أو الخاص في التنمية بشكل عام، وتكون هذه المجالات وفق أولويات واحتياجات المجتمع المحلي أو الخارجي حسب سياسات هذه الجهات.
وعلى الرغم من وجود بعض المساهمات الجيدة من بعض الشركات، ولكن لا يزال التعاطي مع برامج المسؤولية الاجتماعية دون المستوى المأمول من القطاع الخاص الذي أصبح ينمو بشكل كبير ، فكثير من شركات القطاع الخاص لا تدرج المسؤولية الاجتماعية ضمن أهدافها واستراتجياتها، وفي بعض الأحيان تخلطها مع مفاهيم العمل الخيريf والعلاقات العامة والتسويق وغيرها من المصطلحات التي لا تعتبر من المسؤولية الاجتماعية رغم خيريتها. وأغلب ما يعبر عنه على انه مسؤوليات اجتماعية مثل رعاية ملتقيات أو منتديات هو في الحقيقة بوادر للمسؤولية الاجتماعية، وهذا جيد ولكن المسؤولية الاجتماعية أوسع من ذلك بكثير، والأمر يحتاج إلى مزيد من بحث التكامل وإيجاد الكوادر القادرة على الاستفادة من خيرية القطاع الخاص من خلال التواصل الفعال والشراكة سواء في الرؤية أو التنفيذ والهدف.
والواقع أننا في المجتمعات العربية تعودنا أن الدولة تقوم بكل شيء، ونضع اللوم عليها عند وجود أي قصور في النشر أو الإلزام أو التوجيه أو غير ذلك ، ودائما ننسى الأهم من ذلك، ننسى أنفسنا نحن كأفراد مؤثرين في المجتمع، وننسى أننا يجب أن يكون لنا دو فاعل تجاه مجتمعنا.
والمأمول أن نسهم جميعاً في تعزيز مفهوم المسؤولية المجتمعية في عموم المجتمع من خلال العلاقة التكاملية بين الوسائل الإعلامية التي لها الدور المقدر في نشر هذه الثقافة، والمؤسسات الحكومية مثل المؤسسات التعليمية والأكاديمية ويجب أن تكون مادة أساسية من متطلبات الجامعات، وكذلك نشر ثقافة الاستهلاك المقرونة بقيم المجتمع التي تشجع على التكافل الاجتماعي الذي هو أساس مجتمعنا .
إبراهيم أحمد الطيب
مدير البرامج والمشاريع
الجمعية الخيرية لرعاية مرضى الروماتيزم