تشجيع الحد الأدنى للخدمات المصرفية
الخدمات المصرفية أصبحت من ضروريات الحياة، بل تعتبر من الحقوق الاقتصادية التي يجب توفيرها لكل شخص من ضمن الحقوق الأساسية. وهذا، لتحقيق المزيد من التنمية الاقتصادية والمجتمعية وأيضا لدعم منح الاستقلال الشخصي. وفي هذا، اهتم البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي الأوربي ومجموعة دول العشرين وغير ذلك من المنظمات وطالبت بضرورة تحقيق الشمول المالي (فايننشال انكلوشن).
هذا الشمول ليشمل الجميع، يتطلب منح المزيد من الاهتمام لقطاعات المجتمع للمشاركة في الحصول علي الحد الأدنى من الخدمات المصرفية لكل فرد. وفي هذا المنحى، لا بد من تقديم عناية خاصة للفئات الفقيرة والمؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر. وهذا التوجه، لا بد منه، خاصة وأن اشراك الجميع في “الشمول المالي” سيحقق فوائد لكل قطاعات المجتمع.
تبين من الدراسات، أن نسبة كبيرة من الأفراد تتجاوز 85%، خاصة، في المجتمعات الفقيرة، لا تحصل علي الخدمات المصرفية، أو لا تتعامل عبر البنوك اعتقادا منها أن هذه الأماكن “نوادي خاصة” لفئات معينة وغير مسموح لغير “الأعضاء” بالدخول أو بالاقتراب. ان هذه النسبة الكبيرة من الأفراد التي لا تتعامل مع البنوك، تعتبر “خارج التغطية” المصرفية وبالتالي تقع خارج مجال الشمول المالي. وفي هذا الأمر، أضرارا اقتصادية ومصرفية لأن فتح الحسابات المصرفية ووضع الأموال في هذه الحسابات والتعامل عبرها سيمكن القطاع المصرفي من تجميع الأموال ومنها يتم تدوير هذه الأموال بعناية فائقة لتحريك التجارة والتنمية والاستثمارات.
هذه الحركة الدائرية الدؤوبة للأموال يستفيد منها جميع الأطراف خاصة وأنها تؤدي لتوفرها في البنوك لاستخدامها وادارتها وفق الأنظمة القانونية والممارسات المصرفية المتبعة وبما يضمن حقوق جميع الأطراف في تناغم مهني قانوني. ونلاحظ أن بعض البنوك متخمة بالأموال، لدرجة التشبع، في الدول التي يكون فيها وعيا بضرورة وضع الأموال في البنوك والتعامل بالشيكات وبطاقات الائتمان والدفع الآلي وغيرها من أموال “البلاستك”…. وهذه البنوك المتخمة تكون مليئة وتتمتع بملاءة مالية قوية وعالية تمكنها من تلبية القروض الكبيرة وتقديم التسهيلات لقيام المشاريع العملاقة والعمران في كل الأطراف. وبالطبع فان العكس يحدث عندما يقل أو ينعدم التعامل مع البنوك التي تصبح خاوية الوفاض وتكون قليلة الحيلة ولا تملك ما تقدمه. ومن هذا تأتي العبرة والحسرة مع الغصة في نفوس البنوك والعامة.. ولذا لا بد من التحرك الفاعل لتصحيح الأوضاع، ومن هنا أتت فكرة الحرص على “الشمول المالي” وتطبيقه من أجل الفائدة للمجتمع. وهنا لا بد من القول بصراحة، أنه توجد مسؤولية مباشرة علي الدول والمجتمع، وكذلك توجد مسؤولية مهنية علي كل القائمين بأمر الصناعة المصرفية. ولأهمية الأمر، يجب تحمل هذه المسؤولية والتصدي لها لتأخذ مسارها الصحيح لتحقيق الهدف المنشود. وعلي الدولة وضع خطط قصيرة وطويلة المدي لدعم الشمول المالي ليشمل الجميع. وهذا يتمثل في وضع اللوائح والضوابط التي تحفز التعامل مع البنوك بل والعمل قدر المستطاع علي حصر كل التعاملات المالية عبر منافذها.
وهذا يتمثل، في وضع الضوابط لتحويل المرتبات والمعاشات للبنوك وبهذا يكون لكل عامل أو مؤسسة حساب مصرفي، وكذلك تقديم الدفعيات المالية للمشروعات عبر البنوك فقط. وعلي أصحاب الشركات بكافة أحجامها تشجيع أفرادها للتعامل عبر البنوك وتمرير المعاملات المالية عبر الحسابات المصرفية فقط. وهكذا نخلق واقعا جديدا ونمهد لثقافة التعامل مع البنوك وكسر حواجز التعامل معها.
وأذكر ان أحد وزراء مالية بريطانيا طالب بفرض ضريبة علي كل الدفعيات التي تتم نقدا “كاش”، ومهما كان حجمها، خارج منظومة المصارف. وفي هذا الخصوص، علي البنوك تقديم التسهيلات لأقصي درجة لتمكين الجميع من فتح الحسابات المصرفية بشتي أنواعها.. وكذلك تقديم الاغراءات لفتح الحسابات، والحرص علي التوفير لجني الفوائد التي تقدمها البنوك لأصحاب الحسابات المصرفية والودائع.
ان تجميع الأموال في يد البنوك له فوائد عديدة علي المجتمع وسيرجع في مشاريع “مساهمة التنمية الاجتماعية” التي تقدمها البنوك للمجتمع الذي ساهم في تحقيق الأرباح. وهكذا، تدور الدوائر وكما يقولون يأتي الاحسان بالإحسان، وما جزاء الاحسان الا الاحسان..
التعامل مع البنوك الآن لم يعد ترفا خاصا وانما أصبح ضرورة. وبالتقنية في يد كل شخص في المدن والقري جهاز تلفون. لاستعماله في تحويل “رصيد”، وهذا الاجراء من الناحية الفنية المحضة يعتبر عملا مصرفيا، لأن هناك طرفا يحول رصيد أموال لطرف آخر. وعلي البنوك الاستفادة من هذا الوضع السائد وتقديم خدماتها عبر التلفون الموجود في كل يد. دول كثيرة استفادت في توسيع المعاملات عبر التلفون. ولاحظت في زيارتي لبنغلاديش، أن التعامل المصرفي عبر التلفون جعل الأموال الموجودة في البلد في حالة دوران لا تتوقف. وهذا ما يسعي لتحقيقه “الشمول المالي”. ولنعمل جميعا لتحقيقه.
د. عبد القادر ورسمه غالب
المؤسس والرئيس التنفيذي
ع \ د. عبد القادر ورسمه للاستشارات
Email: awarsama@warsamalc.com