تعزيز “المواطنة” و”أنسنة” الشركات في مواجهة التحديات
الدكتور عماد سعد
استشاري استدامة ومسؤولية مجتمعية، أبوظبي
في زمن الكورونا صدق المثل عندما قال “ذاب الثلج وبان المرج”، وبات العالم أجمع مضطراً أكثر مما مضى أن يضع النقاط على الحروف ويسمي الأشياء بمسمياتها، كما أصبح العالم بمؤسساته سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص والمجتمع المدني في مواجهة صريحة وواضحة مع تداعيات ما تغاضوا عنه أو تساهلوا في تطبيقه في زمن السلم، إنها المسؤولية المجتمعية بكل ما تعني الكلمة من معنى.
وكما قلنا دائماً فإن العمل المؤسسي الذي يمتلك منهج إداري مسؤول له رؤية واضحة يتسم بالشفافية والحوكمة، مبني على شراكة مسؤولة، ويأخذ بعين الاعتبار توقعات الأطراف المعنية ذات العلاقة، ويتحمل مسؤولية قراراته من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. هو بحق علم مؤسسي مسؤول ومستدام، وتلك مؤسسات وحكومات ولدت لتبقى في مختلف الظروف والتحديات خصوصاً في زمن فيروس “كورونا-كوفيد 19”.
نعم إن مؤسسات العالم أجمع تسعى منذ نشأت وحتى الآن إلى تحقيق المزيد من النمو وتعظيم الأرباح وهذا حق إداري وقانوني لا جدال فيه، لكن ليس على حساب الإنسان والبيئة، بل هما أهم ضلعين من ثلاثة يمثلون محاور معادلة التنمية المستدامة (اقتصاد، مجتمع، بيئة)، فماذا ينفع النمور الاقتصادي إذا كان على حساب الإنسان والبيئة، وهذا ما عبرت عنه الأمم المتحدة عندما أعلنت سبعة عشر هدفاً سميت بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 وضعت لتكون بمثابة خارطة طريق لمختلف المؤسسات والحكومات على مستوى العالم. وكما بات جلياً اليوم فإن المؤسسات والحكومات التي سعت لتحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر ذراعها التنفيذي “المسؤولية المجتمعية” التي شكلت خط الدفاع الأول في مواجهة التحديات وخصوصاً وباء فيروس كورونا، وكانت تداعيات “الكورونا” عليها أقل وطأة.
لكن جشع الإنسان (كالمعتاد) حال دون قدرة أغلب المؤسسات والحكومات في العالم من التصدي لهذا الوباء فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19”. ونحن لا نقلل من خطورة ذلك الوباء بل لنؤكد بأن العالم لم يأخذ بعين الاعتبار رسائل التحذير التي انطلقت منذ سنوات وهي تنادي بأن التحدي الأكبر الذي سيواجه البشرية جمعاء في القريب الآجل ليس خطر الحرب بالأسلحة النووية بل خطر الأوبئة والأمراض الفيروسية التي هي أشد وألعن من أي حرب تقليدية أو نووية. فهل كان العالم مستعداً لهذا التحدي؟ في أغلب الحال لا لم يكن مستعداً بل لا يرغب في أن يلامس الحقيقة باعتبار أن معادلة “تعظيم الأرباح على حساب الإنسان والبيئة” كانت هي السبب الرئيسي في وصول مؤسسات وحكومات العالم الى ما وصلنا إليه اليوم في زمن الكورونا. ضاربين بعرض الحائط احترام حقوق الانسان، واحترام مبدأ المساءلة والشفافية واحترام السلوك الأخلاقي، وممارسات التشغيل العادلة وحقوق العاملين الأساسية في العمل، وحفظ حقوق المستهلك، وحماية البيئة وخدمة المجتمع واحترام مصالح الأطراف المعنية تحت مظلة القانون.
من جديد “هذا المطر من ذاك الغيم” أي أن ما زرعه الإنسان خلال عقود مع الثورة الصناعية قد حصد ثماره الآن. وعليه بتنا اليوم في زمن “الكورونا” بحاجة ماسة أكثر مما مضى إلى إعادة بناء نظام عالمي جديد يستند إلى المسؤولية المجتمعية من خلال تعظيم مفهوم “المواطنة” على قاعدة الشراكة بالمسؤولية كمنهج إداري بصفته الورقة الرابحة للمؤسسات والحكومات في زمن السلم والحرب، المسؤولية المجتمعية هي الورقة الرابحة التي تعمل على “أنسنة” المؤسسات والحكومات، وتعظيم قيمة الإنسان بصفته رأس الهرم بين الكائنات الحية على وجه الأرض.
شكراً “كورونا” التي أعطت العالم فرصة لإعادة النظر بأهمية البحث العلمي من أجل سلامة البشرية جمعاء، لا من أجل فنائها لمصلحة النفوذ السياسي والعسكري للشركات والدول هنا وهناك. ودعت العالم لإعادة النظر بمن يستحق الأولوية في سلسلة الرتب والرواتب في المؤسسات والدول في زمن السلم والحرب هل قطاع الصحة والتعليم والأمن أم قطاع الرياضة والفن و…. (مع احترامنا للجميع).
بتنا اليوم في أشد الحاجة إلى بناء مجتمع مسؤول ومستدام يستند إلى المعرفة العلمية المسؤولة التي تبني الإنسان وتحافظ على البيئة وتحقق التنمية المستدامة وإعمار الأرض وسعادة الإنسان. تتضافر فيه كافة الجهود من مختلف القطاعات (العام، والخاص، والمدني) كل من موقعه ومسؤولياته على قاعدة الشراكة بالمسؤولية لتحقيق التنمية المستدامة، لأننا ببساطة كلنا على وجه الأرض شركاء في المسؤولية والبناء.
أبوظبي: 26 مايو 2020