حوار مسؤول حول العلاقة بين العلاقات العامة والمسؤولية المجتمعية
كتبه :عصام بابكر كوكو
كنت خلال الأيام الماضية جزءًا من حوار شيق و مسؤول في قروب في الواتس يسمى خبراء المسؤولية المجتعية ، وهو يضم كوكبة مميزة من الشخصيات الأكاديمية والممارسين متنوعي الخبرات في هذا المجال من سلطنة عمان والسودان والكويت و الامارات والسعودية ، كان الحوار منصبًا على شكل العلاقة بين المسؤولية المجتمعية والعلاقات العامة ، مما دفعني لمعالجة الموضوع في هذا المقال بشكل عام ، بوضع بعض المؤشرات التي يمكن أن تعيين على فهم العلاقة , والحوار حول هذه المفاهيم أمر حيوي ، يستحق أن تفرد له مساحات واسعة من الدراسة والتقصي , فهو وثيق الصلة بأهداف التنمية المستدامة التي تمثل الرؤية التحولية الشاملة للعالم .
المتابع يلحظ أن العلاقات العامة عبر مسمياتها المختلفة كعلم وفن تتطور بشكل مذهل ,وأصبحت قوة هائلة في المجتمعات الحديثة لا يمكن بأي حال للمؤسسات المختلفة أن تغض الطرف عنها , فهي من خلال مناشطها المتنوعة تحدث حراك إيجابي , ولها تأثيرات فاعلة من خلال استخدامها للأساليب الإقناعية المبتكرة التي تفضي إلى كسب ثقة الجماهير، مما مكنها من أداء أجل الخدمات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للمجتمعات, وهي تلعب دورًا جوهريًا في تحقيق التفاهم الإنساني بين المنشآت وأصحاب المصلحة وتحقيق الحياة الفضلى للجميع وفق الرؤى التي تحكمها فلسفة المجتمعات الحضارية بتنوعها واختلافها.
وتشير بعض الدراسات إلى أن المسؤولية المجتمعية دخلت في الدراسات الأكاديمية والتطبيق الإحترافي في عام 1970م متمددة من مملكة الأعمال إلى حقل العلاقات العامة، ومع ذلك فإن إدراك ممارسي العلاقات العامة لمفهومها وعلاقتهم ببرامجها يبقى إلى حد كبير غير مبحوث.
ويقول هولي في بحث له نشر في مجلة العلاقات العامة عام 2016 ، أن مبادرات العلاقات العامة والمسؤولية المجتمعية تصب بشكل متشابه في احتياجات المؤسسة ووظائفها، مثل سمعة المؤسسة وعلاقات أصحاب المصلحة وإدارة الأزمات والسلوك الأخلاقي، وأن هذا التشابه يرتبط بشكل دائم في الدراسات الأكاديمية والتطبيق الاحترافي.
والمسؤولية المجتمعية في الحياة المعاصرة التي تعج بالتحديات الإنسانية الكبرى أصبحت جزءاً أساسياً وجوهرياً في إستراتجيات المؤسسات التي تعمل جادة لتبقى بشكل مستدام, خاصة بعد ظهور الفضائح الأخلاقية في مؤسسات الأعمال وازدياد النشر السلبي عنها في وسائل الإتصال ، مما جعل العلاقات العامة تقوم بجهود جبارة لاستعادة الثقة والمصداقية المفقودة , لذا نجدها في الدول المتقدمة تعاملت بجدية مع مفهوم المسؤولية المجتمعية واعطته أولية قصوى في جدول مناشطها , ففي الولايات المتحدة تكوّن تجمع يضم تسعة عشر جهة من المنظمات والاتحادات ذات الصلة التي أصدرت ما يعرف بالـ (white paper ( في عام 2003 بعنوان إعادة الثقة في الأعمال عبر نموذج للعمل ، حيث جاء فيها مناشدة لقادة الأعمال لتبني المبادئ الاخلاقية وتحقيق الشفافية وتطبيق الحوكمة ، وهذه تمثل جوهر مباديء المسؤولية المجتمعية وقد تطرق لذلك كل منDennis وGlen في كتابهما العلاقات العامة الاستراتجيات والتكتيكات .
ويقرأ ذلك في إقتراح الأمين العام للأمم المتحدة السيد (كوفي عنان) لأول مرة “الإتفاق العالمي” في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في 1 كانون الثانى 1999م، وتم إطلاق المرحلة الأولى التنفيذية للإتفاق العالمي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك 26 تموز 2000م وطالب الأمين العام للأمم المتحدة قادة الأعمال بالإنضمام للمبادرة الدولية ( الإتفاق العالمي) التي تجمع الشركات بهيئات الأمم المتحدة ومنظمات العمل والمجتمع المدني لدعم المبادئ العشرة في مجالات حقوق الإنسان والعمل والبيئة, وهذا الاتفاق يمثل المبادئ العالمية للمسؤولية المجتمعية التي تعزز مواطنة الشركات .
فالحوجة ماسة إلى دراسات وبحوث متعمقة تبين دور العلاقات العامة في تعزيز المفهوم ومدى إدراك ممارسيها وعلاقتهم ببرامجها ومشروعاتها، ومدى نضوج المؤسسات في ممارسة مسؤوليتها المجتمعية بمفهومها الشامل ,خاصة أن هنالك توجه عالمي نحو المسؤولية المجتمعية يتسم بالجدية لمجابهة التحديات التي تواجه العالم، ومن خلال عملي في المجالين على الاقل في محيط بلدي السودان , لاحظت أن هنالك بعض القصور في دور العلاقات العامة في تعزيز مفهوم المسؤولية المجتمعية والمساهمة في تطبيقها بشكل متكامل ، سواء أن كان في عملية بناء ثقافة مؤسسية تحمل قيم ومضامين المسؤولية المجتمعية وإلهام العاملين فيها لتقديم مشروعات وبرامج مبتكرة وخلاقة، أو قيامها بنشاط إتصالي فعَّال لعكس الإنجازات في مجال المسؤولية المجتمعية لتمكن جمهور الشركات من الوقوف عليها بشكل يسهل بناء السمعة الحسنة للشركات , ويبين أدوارها في خدمة المجتمع ، وحتى يفاضل الجمهور بين مؤسسة وأخرى وفق السلوك المسؤول والله الموفق.