دور الصندوق السنغالي للزكاة: إسهامات إنسانية واستشراف اقتصادي
يعتبر الفقر ظاهرة عالمية قديمة قدم الزمان، له أسباب كونية وظرفية, كما أن له آثارا سيئة في المجتمعات؛ لذا قام جميع النظم الاقتصادية بوضع آليات ناجعة في محاربته للقضاء عليه، حتى الفقراء أنفسهم كانوا ولا يزالون يبحثون بين الفينة والأخرى عن الفرص للانفلات من لسعه المهلك لدرجة تقمصهم أحيانا سلوكيات غير مشرّفة لهم ولمحيطهم.
والإسلام ممثلا في نظامه الاقتصادي لم يستثن من القاعدة؛ لأنه قد وضع وسائل عدة للحد من الفقر منها: الزكاة وهي: أداة لإعادة توزيع الثروات كي لا تكون دولة بين الأغنياء؛ إذ هي فريضة فرضها الله على الأغنياء بشروطها المفصلة في الكتاب والسنة بأن يخرجوا قسطا من أموالهم يوزّعونه على الفقراء لترميم التفاوت الاجتماعي بين طبقتي الميسورين والمعدمين.
ولقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم دور الزكاة الرائد في محاربة الفقر في حياته ثم ناب عنه في تلك المهمة بعد وفاته خلفاء المسلمين واحد تلو الآخر؛ فها هو الخليفة: أبوبكر الصديق قد حارب مانعي الزكاة، وفي الشق الآخر استطاع الخليفة الأموية: عمر بن عبد العزيز أن يحد من الفقر كليا في خلافته بواسطة الزكاة.
وعلى هذا المنوال نسج بعض المجتمعات المعاصرة المسلمة فتظل تستفيد من الزكاة في خضمّ سياساتها الاقتصادية؛ حيث قام بعضها بتقنينها وجعلها إلزامية لمن توفرت عليهم الشروط وبعضها اكتفت بتنظيمها بوضع بيئة قانونية مناسبة للمؤسسات الأهلية العاملة في المجال.
وقطرنا (السنغال) بصفة كونها دولة إسلامية باعتبار نسبة المسلمين فيها البالغة: ٩٥٪ من السكان لم توظف ولم تقدر الزكاة حق التقدير بدليل انعدام آثارها الإيجابية في الشعب. وقد ساهم في تعطيل دورها الاقتصادية في واقع السنغالي المعاش عوامل عدة، من أهمها:
- عدم وجود قوانين منظِّمة.
- المفاهيم الخاطئة للزكاة لدى الناس.
- الفراغ المؤسسي في خضمّ تخلّي الحكومة عن دورها.
- محدودية انتشار الوعي الزكوي لدى فئتي المثقفين وعوام الناس.
أهداف الصندوق السنغالي للزكاة وظروف تأسيسه:
وفي ظلّ هذه الظروف التي سادت فيها العشوائية واللامبالاة، قد تم تأسيس مؤسسة زكوية أهلية في عام ٢٠٠٩م من قبل أناس واعين سميت ب«الصندوق السنغالي للزكاة» كخطوة أولية للقضاء على العشوائية ثم المساهمة في الحد من الفقر في السنغال بطريقة منتظمة بواسطة الزكاة من حيث الجباية وتوزيعها على المستحقين مع مراعاة الأهداف الاقتصادية لها.
أهم إنجازات الصندوق السنغالي للزكاة.
مر على تأسيسه عقد من الزمان وقدم خلالها أعمالا إنسانية وخدمات اجتماعية جليلة رغم الصعوبات الإدارية والاجتماعية التي يواجهها. وللصندوق أيضا برامج اجتماعية تضامنية أخرى مستقلة مصاحبة للأنشطة الزكوية، وأذكر من تلكم البرامج: برنامجين مهمين, هما:
الأول: البرنامج الرمضاني، والهدف منه: توزيع سلال غذائية أثناء الرمضان على الفقراء, وتتألف السلة الواحدة من أرز وسكر وحليب وتمر وزيت بقيمة مالية مقدرة ب٣٠.٠٠٠ فرنك سيفا، وقد استطاع الصندوق في الرمضان (٢٠٢٠م) مع الجائحة كوفيد ١٩ وشدة فاقة المجتمع في أوقات المحن توزيع ٤٨٠ سلال غذائية، وهذا بجانب نشاط إفطار صائم جماهيري يستهدف جميع شرائح المجتمع من: الأماكن العامة والمساجد والسجون وغير ذلك. ويموّل البرنامج بالتبرعات التي يستقطبها الصندوق من المحسنين داخل البلد
الثاني: البرنامج الإغاثي في حالات الطوارئ، ويهدف البرنامج بإنشاء حملات إغاثية لتقديم المساعدات المتمثلة في الإعانات المالية والمواد الغذائية والثياب للمتضررين جراء الكوارث الطبيعية والتقلبات المناخية التي قد تصيب البلد كالفيضانات والحرائق وغيرها، وقد تم تجسيد هذا البرنامج في أرض الواقع عدة مرات منذ إنشائه في سنوات مختلفة وبمبالغ مالية لا بأس بها يتم جمعها من خلال التبرعات.
آفاق الصندوق ومستقبله
وبالنظر للظروف الزكوية البائسة في البلد يعاني الصندوق السنغالي للزكاة عدة مشاكل: من أهمها الفراغ الواسع الذي توسط بين المستفيدين من الحصيلة الزكوية وبين المتقدمين للحصول على المساعدة, والشح في الموارد البشرية وغيرهما؛ فدعت الضرورة للتفكر في مستقبل أكثر أمانة واستقرارا وسخاء في الموارد من خلال إيجاد مصدر آخر من مصادر التمويل الإسلامي يساند الزكاة في تغطية أكبر قدر ممكن من رغبات قاصديه. ثم توصل إلى نتيجة تكمن في إيجاد وقف إسلامي عملاق يسعف الصندوق في احتياجاته المالية حتى يقوم على ساقيه ويتمتع بالاستقلال الذاتي.
أبوبكر تيبو سيسي
aboubacre5@gmail.com