د. عماد سعد : جرعة المعرفة المدرجة في المناهج الدراسية الخاصة بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 هي أقل من المطلوب بكثير بل معدومة في كثير من الدول العربية
تقديم :
تحدث الكثير من التغيرات التي تغلف كوكبنا و يرى خبراء العالم أن وسيلتنا لتفادي أضرارها علينا هو التزامنا بالتنمية المستدامة ؛ فحرصاً منا على المساهمة في بقاء الحياة في كوكبنا لنا ولمن بعدنا و تقليلا من تأثيرات الحياة الصناعية والاستهلاك البشري المفرط للحياة الطبيعية والتزاماً منا بتقديم المعلومة والفائدة لكم عبر طرح هذا الموضوع على المختصين … أجرينا هذا الحوار مع الخبير الدولي الدكتور عماد سعد …
المحاور /محمد بابكر
رئيس مركز تقنية المعلومات بالشبكة الاقليمية للمسؤولية الاجتماعية
التعريف بالضيف : من هو الدكتور عماد سعد:
يشغل المهندس عماد سعد منصب رئيس اللجنة الإعلامية بجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر منذ العام 2007.
مؤسس مجلة الشجرة المباركة التي تصدر عن الجائزة ومدير تحريرها.
مستشار بيئي بجمعية أصدقاء البيئة منذ العام 2008 ، و ناشر ومدير موقع “بيئة أبوظبي . ومؤسس ومدير عام شركة نايا ميديا- المنطقة الحرة بأبوظبي للإنتاج الإعلامي البيئي، بالشراكة مع twofour54.
عضو الوفد الرسمي لدولة الإمارات المشارك في قمة الأرض للبيئة (جوهانسبرج 2002).
والمهندس عماد سعد حاصل على درجة بكالوريوس البيئة من كلية الزراعة بجامعة تشرين السورية عام 1984.
محمد بابكر : بداية أرحب بكم سعادة الدكتور عماد و أود لو تذكر لي رأيكم عن الأزمات التي يمر بها العالم وخصوصاً عالمنا العربي هل تعتقد أنها تعيق تحقيق التنمية المستدامة أم انها جعلت المنطقة بيئة خصبة لتنفيذ أهداف التنمية ؟
د. عماد سعد: في رأيي لو طبقت الدول العربية الاستدامة وراعت أهدافها الأساسية لما حصل فيها ما حصل، ونستشهد بمقولة أمين عام منظمة الأمم المتحدة “بان كي مون” في هذا الأمر حيث قال إن تحديات تحقيق التنمية المستدامة بالعالم أجمع أهم بكثير من مواجهة الإرهاب، لأن المجتمع أو الدولة التي تسعى لتطبيق المسؤولية المجتمعية لتحقيق التنمية المستدامة هي بطبيعة الحال آمنة أكثر ولديها المناعة الكافية لمواجهة أي من تحديات العصر.
محمد بابكر : إذا الأمر يحتاج إلى وعي ومطالبة من المجتمع كي تقوم الدول على تبنيه …هل هناك دول تضيف مواد عن الاستدامة في المناهج الدراسية عالمية او عربية كي تزيد من وعي الطلاب وتبنيهم لمفاهيم الاستدامة ؟
د. عماد سعد: لو قمنا بجولة على المناهج المدرسية لمختلف المراحل الدراسية في عدد من الدول العربية، لوجدنا تفاوتاً كبيراً في المحتوى المعرفي لتلك المناهج سواء من الناحية العلمية أو التقنية أو تفاوت في أسلوب تناول المواضيع أو من ناحية التزامها بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة أو في نشر ثقافة المسؤولية المجتمعية وحماية البيئة وما شابه ذلك من مواضيع تعتبر اليوم ذات قيمة مضافة على صعيد المعرفة لدى الطالب أو على صعيد التطبيق اليومي في حياته العامة. لكن في أفضل الأحوال نرى أن جرعة المعرفة المدرجة الخاصة بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 هي أقل من المطلوب بكثير بل معدومة في كثير من الدول العربية، وذلك يعود لأسباب عدة أبرزها:
1- أدلجة المناهج التعليمية..
2- قلة وجود رؤية واضحة وناضجة في الإدارات المعنية بوضع مناهج الدراسة تعلق بنشر ثقافة التنمية المستدامة
3- عدم وجود خبراء ومستشارين مختصين بتبسيط أهداف التنمية المستدامة الـ 17 وترجمتها الى تطبيقات عملية في الحياة العامة للطالب، يتلمس الفائدة المباشرة منها على المستوى الشخصي والمجتمعي.
أما فيما يخص وجود مناهج أو عدمها فإننا نجد في بعض الدول العربية ممارسات خجولة لكن مقبولة من حيث المبدأ ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر. دولة الامارات العربية المتحدة قامت بإدراج اهداف التنمية المستدامة في المناهج الدراسية منذ أكثر من عشر سنوات، بل تعتبر إمارة ابوظبي أول من اطلق برامج تعنى بنشر ثقافة واهداف التنمية المستدامة من خلال برنامج “البيئي الصغير عام 2001” وبرنامج “المارثون البيئي عام 2002” وبرنامج “المدارس المستدامة عام 2009 ” وتتالت بعد ذلك في دولة الامارات البرامج التي تعنى بنشر ثقافة واهداف التنمية المستدامة 2030 ، تلتها وبشكل خجول وبطريقة غير مؤسسية بل ممارسات فردية أحياناً وفي المناسبات أحياناً أخرى، بعضها من المؤسسات الحكومية وبعضها من القطاع الخاص في كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة الكويت ومملكة البحرين. نقول شكراً لكل من ساهم ويساهم على المستوى الفردي أو المؤسسي في تنمية المعرفة المسؤولة وتعزيز ثقافة الاستدامة لدى مختلف فئات المجتمع العربي وخصوصاً طلبة المدارس بما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة، لأن “العلم في الصغر كالنقش في الحجر” لكن المطلوب أكثر بكثير.
محمد بابكر : جميل مادام هناك بذرة فلابد أن تثمر … أود من خلال معرفتكم واطلاعكم أن تخبرونا عن أهم أهداف التنمية المستدامة التي حققنا جزء كبير منها في وطننا العربي؟
د. عماد سعد: لو عملنا مسح ميداني على مختلف قطاعات المجتمع العربي لوجدنا أن الأمور نسبية تماماً في تطبيق الأهداف الـ 17 حيث أن لكل دولة تحديات تختلف عن دولة أخرى، بالتالي نسبة تطبيق الهدف الأول “القضاء على الفقر المدقع” قد نجده في دولة ما يشكل أولوية وفي دولة أخرى لا وجود له بل غير معنية به وهكذا في بقية الأهداف التنموية, وعليه لا نستطيع القول ما هي نسبة التطبيق العام على المستوى العربي، والأفضل أن نذهب الى التقرير الوطني لكل دولة لنقرأ به ما نسبة التنفيذ حيال كل هدف، علماً بأن عدد الدول التي أصدر تقرير تنمية مستدامة يعد على أصابع اليد الواحدة. وبيانات التقرير تتسم بالشمولية وذلك لسبب بسيط جداً هو حداثة التطبيق على المستوى العربي.
محمد بابكر : قلة التقارير تنبئ عن وجود عوائق …. لو تُحدثنا دكتورنا الفاضل عن الصعوبات التي تواجه المهتمين بتحقيق الأهداف ونشرها تمنع تقبل المجتمع لهذه الاهداف؟
د. عماد سعد: تتطلب التنمية المستدامة بذل جهود متضافرة لبناء مستقبل للناس ولكوكب الأرض يكون شاملاً للجميع ومستداماً وقادراً على الصمود. ومن الجوهري، لكي تتحقق التنمية المستدامة يلزمنا المواءمة بين ثلاثة عناصر أساسية هي: النمو الاقتصادي والشمول الاجتماعي وحماية البيئة. وهذه العناصر مترابطة وكلها جوهرية لرفاه الأفراد والمجتمعات. فعلى سبيل المثال القضاء على الفقر بجميع أشكاله وأبعاده شرط لا غنى عنه للتنمية المستدامة. ويجب لبلوغ هذه الغاية، تشجيع النمو الاقتصادي المستدام والشامل والمنصف، وتهيئة الفرص للجميع، والحد من أوجه عدم المساواة، ورفع مستويات المعيشة الأساسية، وتدعيم التنمية الاجتماعية العادلة والشمول الاجتماعي، وتعزيز إدارة الموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية على نحو متكامل ومستدام.
من هذا المنطلق نجد أن أهداف التنمية المستدامة هي مطلب حقيقي ومباشر لكافة المجتمعات النامية ومن بينها المجتمعات العربية، بل هي جاهزة ومؤهلة للمضي قدماً في تطبيق تلك الأهداف وتحقيق النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي وحماية البيئة والانسان.
لكن أكثر ما يقلق ويحد من بلوغ اهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية بشكل عام هو وجود الفساد الإداري وغياب الرؤية الاستراتيجية المواكبة لتلك الأهداف على المستوى الدولي، لأننا لا نعيش على سطح هذا الكوكب بمعزل عن غيرنا من الدول فنحن نؤثر ونتأثر، وبالتالي على الدول أن يكون لديها إرادة ملتزمة وصادقة في خدمة مجتمعاتها. لأن أهداف التنمية المستدامة 2030 من حيث المبدأ صادقت عليها 193 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في 25 سبتمبر 2015، أدت إلى توافق في الآراء بشأن الوثيقة الختامية للخطة الجديدة “تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030”.
محمد بابكر : هل يمكن وضع إطار أمثل او التركيز على مفاتيح شاملة او تبني ممارسات من قبل المهتمين تعينهم على تجاوز الصعوبات وتؤدي مستقبلا لخلق مجتمع مستدام في عالمنا ؟
د. عماد سعد: في هذا الصدد يمكن الإشارة الى قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25 سبتمبر 2015 بعنوان تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وهي بمثابة وثيقة معتمدة في البيان الختامي لمؤتمر قمة الأمم المتحدة لاعتماد خطة التنمية لما بعد عام 2015، حوت هذه الوثيقة مفاتيح شاملة لو ركزنا عليها نكون امتلكنا إطار عمل أمثل لتنفيذ أهداف التنمية وهذه بعض المقتطفات من الوثيقة :
“… حيث تمثل هذه الخطة برنامج عمل لأجل الناس والأرض ولأجل الازدهار. وهي تهدف أيضا إلى تعزيز السلام العالمي في جو من الحرية أفسح.
…..وستعمل جميع البلدان والجهات صاحبة المصلحة على تنفيذ هذه الخطة في إطار من الشراكة التعاونية.
وستحفز تلك الأهداف والغايات العمل الذي سيجري على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة في مجالات ذات أهمية جوهرية للبشرية ولكوكب الأرض.
الناس: لقد عقدنا العزم على إنهاء الفقر والجوع، بجميع صورهما وأبعادهما، وكفالة أن يمكن لجميع البشر تفعيل طاقاتهم الكامنة في إطار من الكرامة والمساواة وفي ظل مناخ صحي.
الكوكب: نحن مصممون على حماية كوكب الأرض من التدهور، بطرق منها توخي الاستدامة في الاستهلاك والإنتاج، وإدارة موارد الكوكب الطبيعية بصورة مستدامة، واتخاذ إجراءات عاجلة بشأن تغير المناخ، حتى يمكن له دعم احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة.
الازدهار: لقد عقدنا العزم على كفالة أن يتمتع جميع الناس بحياة يظلها الرخاء تلبي طموحاتهم، وأن يتحقق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي في انسجام مع الطبيعة.
السلام: نحن مصممون على أن نشجع على قيام مجتمعات يسودها السلام والعدل ويجد فيها الجميع متسعا لهم، مجتمعات تخلو من الخوف ومن العنف. فلا سبيل إلى تحقيق التنمية المستدامة دون سلام، ولا إلى إرساء السلام دون تنمية مستدامة.
الشراكة: لقد عقدنا العزم على حشد الوسائل اللازمة لتنفيذ هذه الخطة من خلال تنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة، على أساس روح من التضامن العالمي المعزز، مع التركيز بوجه خاص على احتياجات الفئات الأشد فقرا والأكثر ضعفا، وبمشاركة من جميع البلدان وجميع أصحاب المصلحة وجميع الشعوب” .
ولأوجه الترابط بين أهداف التنمية المستدامة وطابعها المتكامل أهمية حاسمة في ضمان تحقيق الغرض من هذه الخطة الجديدة. وإذا حققنا ما نطمح إليه من هذه الخطة بكامل جوانبها، ستتحسن بشدة حياة الجميع وسيتحول عالمنا إلى الأفضل.
محمد بابكر : إذاً الإطار الأمثل باتت الدول متفقة عليه عالميا وبذلك سيصنع وسيلة أو مقياس تنافسي في تحقيق هذه الأهداف … برأيكم كيف تجد أداء العالم العربي في الخطوات المتعلقة بتحقيق تلك الأهداف؟
د. عماد سعد : الأداء متفاوت بين دولة وأخرى، بعض الدول العربية حققت قفزات ممتازة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لديهم رؤية استراتيجية وخطة عمل تنفيذية وفرق عمل ومشاريع ومبادرات ومؤشرات أداء وقصص نجاح… وهناك بعض من الدول العربية للتو بدأت في وضع رؤية استراتيجية وتسعى الى ترجمة تلك الرؤية الى خطط عمل ومشاريع مستدامة، كما نجد بعض من الدول العربية ما زال يحبو في تحقيق اهداف التنمية المستدامة، بل لديهم اختلاف على المفهوم بحد ذاته وآليات تطبيقه. على أية حال ما هو قائم أقل مما هو مطلوب، لأن الانسان العربي يستحق أمن وأمان وحياة كريمة وسعادة أفضل له وللأجيال التي لم تولد بعد؟ وهذه مسؤولية وأمانة في أعناقنا جميعاً حكومات ومؤسسات وشركات منظمات مجتمع مدني وأفراد على حد سواء كل من موقعه.
شكرا د. عماد سعد على هذه المعلومات القيمة وهذا الحوار الثري ، نتمنى أن نكون قدمنا للقارئ صورة واضحة ونافعة حول التنمية المستدامة وتطبيقها في عالمنا العربي ، ونلتقيكم في لقاءات قادمة ،عظيمة الفائدة . تحياتي