في ظلّ أزمة الكورونا التعليم و التعلّم عن بعد بين
المتطلبات التنظيمية والضوابط المعرفية
لا يعدّ التعليم عن بعد ظاهرة حينية مرتبطة بأزمة تفشي وباء الكورونا فقط ، بل إنّ بداياته كانت مع أوائل القرن التاسع عشر تحديدا سنة1873 بواسطة انتشاره بالمراسلة، ثمّ تطورت وسائله في ما بعد مع تطوّر وسائل و تقنيات التواصل الإجتماعي خاصّة.
ولا يمكن الإقرار بوجود تعريف واحد خاصّ بمصطلح “التعليم عن بعد ” ذلك بسبب تعدّد وسائله فهو يشمل مصطلح التعليم عبر الإنترنت باستخدام جهاز الكمبيوتر الشخصي، أو مصطلح التعليم الإلكتروني . وقد يكون هذا الإتصال بين المتعلم والمؤسسة التعليمية من خلال التقنيات الحديثة كالفاكس أو البريد الإلكتروني ، أو من خلال الهاتف الجوال. وبصفة عامّة ، يمكن القول بأنّ التعليم عن بعد هو تعليم يعتمد على الإتصال والتواصل عبر الإنترنت ، وبواسطة مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
وتقام التفاعلات عبر المنتديات وذلك بتوزيع الدورات التعليميّة إلى وحدات تحتوي علي الفيديوهات والمواد المقروءة بهدف توفير المعلومات التي يحتاجها الطّالب أو بصفة عامّة المتعلّم لإكمال ما بعهدته من واجبات .
إنّ التعليم عن بعد يهيئ نظام الاتّصال المزدوج بين الطّالب والمؤسسة التعليميّة من خلال أساتذة ومرشدين ، حيث يُطلب من المتعلّم القيام ببعض الواجبات والأنشطة، ثم يقوم بإرسالها إلى المؤسسة التعليميّة والتي بدورها تردّ على المتعلّم ببعض التعليقات والإرشادات وهذا ما يسمّى بالتغذية الراجعة .
وبناءً على هذا التقويم فإن المتعلّم يقوم بتصويب الأخطاء واكتساب المعارف وفق الخطوات السليمة للبرنامج .
ومن أبرز المميّزات التي يقدمها التعليم عن بعد هو توفير عامل الزمن ، والوقت وعامل المكان أي المسافة ،فالحضور يكون افتراضي ولا يشترط أن يكون المعلّم متواجد مع المتعلّم في نفس المكان.
ولنجاعة عمليّة التعليم و التعلّم عن بعد، يستوجب الإلتزام بهذه الضوابط التي تمّ تفريعها إلى تنظيميّة و أخرى ذات الصلة بالمحتوى المعرفي .
إنّ الضوابط التنظيمية تستند الى خطّة واضحة تقوم على مراحل ،حيث يتمّ:
- في المرحلة الأولى ،يتم اختيار مصادر المعلومات (المحتوى) وذلك بعد تحليل دقيق للحاجات التعليميّة وتتّخذ القرارات حول ما سيدرّس ولأي فترة.
- أمّا في المرحلة الثانية فيقع التركيز على توزيع الوقت بسبب أهميّة إدارة وقت المشروع أو العملية التعليمية عن بعد مهمة وعلى الرغم من أنها تبدو في الظاهر عمليّة سهلة و بسيطة لكنها على المستوى التطبيقي ، ومن حيث التنسيق بين المشاركين تبدو معقّدة بسبب التزاماتهم الشخصيّة أو باعتبار فارق التوقيت بين البلدان إذا ما وُجد.
- أما في ما يتعلق بالترتيبات الخاصّة بالإطار المكاني فهو موضوع ذو أهميّة ولابدّ أن يؤخذ بعين الاعتبار،لما لطريقة تصميم الحيّز المكاني من تأثير في أنماط الاتصال والتواصل .
- وتعتبر طريقة عرض المعلومات من العمليّات الهامّة التي توليها عمليّة التخطيط أهميّة كبرى ويُتبع في تنفيذها عدة أساليب لضمان وصولها للمتعلّم في الوقت المناسب مهما تفرقت أماكنهم و تباعدت.
- إن التعليم عن بعد يقتضي التزام المدرّسين بتمشيّات بضوابط تعلمية ،في مختلف الاختصاصات، حيث تحرص على تمكين المدرّسين من مساحات كبيرة و هامة لممارسة الفعل التربوي على أساس من حرية المبادرة التي تسمح بالإبداع و الإضافة والتواصل مع المتعلّمين، بما يضمن لهم فرص التعلّم الذاتي وفي أوقات تستجيب لظروف حياتهم الخاصّة .
وهذه المواد تعتمد أسس معينة ترتكز على أربع نقاط رئيسة هي :
- معالجة مشكلات ذات دلالة بالنسبة إلى المتعلّمين وفق المحاور المدرجة ضمن برنامج التدريس وتقوم أساسا على التدرّج في التعامل معها بشكل يسهّل التقدم في انجاز الدّرس وامتلاك القدرات و المهارات المنتظرة بما يتيح تمثل المشكل في سياقه الإجمالي و حل المشكل والوصول إلى الكشف عن النتائج المنتظرة فيتحقّق إثراء الدّرس بتشريك المتعلمين عبر إضافاتهم
- توفير الأنشطة العلاجيّة من تمارين ووضعيات استكشافية تستثمر بطريقة تضمن مشاركة المتعلمين في إنتاج المعرفة
ويقع استثمارها على أساس التدرّج من البسيط إلى المركّب و من السّهل إلى الصّعب والحرص على معالجة الأنشطة بما يتناسب مع المستوى الذهني للمتعلمين والتقيّد باختيار المصطلحات الملائمة للموضوع إلى جانب دعم محاور الدرس بالأنشطة و الأمثلة المناسبة
من أجل إقدار المتعلّمين على التحاور مع الإشكاليات المطروحة فهما
و نقدا وإضافة .
- توخّي مقاربة تأليفيّة شمولية في الأنشطة التعليمية التعلّميّة خدمة لمقاصد الدّروس و غايات برامج الاختصاصات .
- ملازمة التقويم لكل الأنشطة التعليمية التعلميّة وذلك وفق تطبيقات معينة وتتمثل أوّلا في لمراجعة المكتسبات السابقة وتشخيص النقائص التي يمكن أن تكون عائقا و معالجتها ،ثانيا بناء المكتسبات الجديدة عبر التدرج في تحقيق القدرات والارتقاء بمهارات المتعلمين في عمليات الشرح و التحليل و النقد و المقارنة و حل المشاكل و انجاز التمارين
و التعمق في الحوار و المناقشات ثالثا كشف النقائص و معالجتها بواسطة أنشطة و تمارين تمكّن من تشخيص صعوبات التعلّم و معالجة النقائص رابعا تهيئة المتعلمين لامتلاك المعارف و المهارات وبناء المواقف عبر تكليفهم بإعداد بحوث و دراسات ومشاريع خارج إطار الدّرس وعرضها بطريقة فردية أو جماعية في حصّة لاحقة مع تقييم هذه المشاركات
إنّ ما يمكن استخلاصه من التعليم والتعلّم عن بعد في أزمة الكورونا كونه يعدّ وسيلةً ناجعة يتّبعها المعلّمون والطلاب عند وجود التباعد الجغرافي بينهم أو بسبب ظهور أزمات اقليميا او دوليا ، بهدف تلقّي المواد التعليمية من خلال توفّر تواصل تكنولوجي عبر شبكة الإنترنت، وهو من الظواهر الحديثة التي رافقت التطوّر التكنولوجي الكبير في هذا العالم، والهدف الرئيسي من هذه الظاهرة هو إيجاد الحلّ المناسب لمواصلة إتمام البرامج المقررة في المؤسسات التعليمية ،هذا إلى جانب إتاحة الفرصة للراغبين بالتعلّم ، والحصول على الشهادات العليا من جامعات عالمية مع عدم قدرتهم على السّفر وقطع المسافات ،إمّا لأسباب ماديّة أو لأسباب صحيّة، كما يُعدّ مهمًا لإستمراريّة المسيرة التعليمية وإبقائها جاريةً من غير انقطاع عند حدوث الأزمات العالمية التي تحول دون وصول الطلاب إلى مدارسهم، وهنا كان التعلّم عن بعد الحل الأمثل لكن هل يمكن الجزم بنجاعة تطبيقه محلّيا و دوليّا .
إنّ التعليم عن بعد لا يمكن أن يلبّي احتياجات كل الفئات الاجتماعية ،هذا الى جانب عدم القدرة على تعميمه في بعض المناطق الداخلية للبلد الواحد ،وكذلك في كلّ بلدان في العالم لأنّ بعضها يعاني من عدّة كوارث طبيعية و حروب وأزمات اقتصادية تجعلها فاقدة لأدنى المعايير التي تحقّق الكرامة الإنسانيّة مثل الأمن الغذائي و الصحّة و السّكن .وهذا ما يزيد في هوّة التباعد التكنولوجي .
الدكتورة نجوى باللطيّف