المحامي/ عبدالله ضعيان العنزي
رئيس مجلس إدارة مركز التنمية المستدامة في جمعية المحامين الكويتية
كرونا بين المسئولية المجتمعية والاستدامة
بلا ادنى شك أن حالة الخوف الهلع والقلق التي تسيطر على جميع سكان كوكب الأرض من شرقها إلى غربها، لها انعكاسات سلبية وآثار ضارة على جميع الجوانب الحياتية. وبالرجوع إلى الوراء بضعة اشهر نجد أن العالم كان يسير باتجاه أهداف محددة وواضحة رسمتها الأمم المتحدة تعني بمختلف جوانب الحياة وتهدف للارتقاء بشتى مجالاتها، كنا متفائلين -ولا زلنا- بتفعيل وتطبيق المسئولية المجتمعية بأضلاعها الثلاثة أولها المجتمع (العنصر البشري) وثانيها الاقتصاد (العنصر الربحي أو التجاري) وثالثها البيئة (تشمل كل شيء ما عدا الإنسان)، فاذا ما تحققت المسئولية المجتمعية بات من السهولة بمكان السير قدما لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وكما قيل وبحق أن المسئولية المجتمعية هي الذراع الأيمن للتنمية المستدامة. ففي منتصف سبتمبر 2015 أقرت الأمم المتحدة تلك الأهداف واتفقت على السعي في تحقيقيها اغلب دول العالم، وبنظرة شاملة موجزة على الأهداف نجدها تتظافر كلها وتكمل بعضها البعض للنهوض بالإنسان في المرتبة الأولى والارتقاء به ليحيا حياة متكاملة من جميع الجوانب كما هو مرهون بتحقيق الأهداف.
وبظهور الوباء العالمي في هذه الأيام كورونا المتجدد – 19، ويعتبر خطر داهم علي جميع شعوب العالم، وخطره الأكبر ليس بقوة تأثيره، بل بقدرته على الانتشار السريع والسبب فترة الحضانة الطويلة لدى المصاب والتي تصل أسبوعين، يكون خلالها الشخص الحامل للفيروس قادرا على نقل العدوى دون ظهور أية أعراض عليه الأمر الذي يؤدي الى ارتفاع عدد الإصابات مما قد يؤدي الى كارثة. وواضح أن تأثيره في المرتبة الأولى يستهدف صحة الإنسان التي يختص بها الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة إلا أن التأثير السلبي ينسحب على كل الأهداف السبعة عشر واحدا تلو الآخر مما يؤكد ترابط الأهداف مع بعضها البعض، ونتيجة لذلك كان من الضروري تعليق الدراسة ومؤسسات التعليم في اغلب دول العالم، بمعني أن الهدف الرابع قد أصيب بالخلل الذي يعوق تحقيقه، ما لم يتم استغلال التكنولوجيا في التعليم عن بعد والتي يقرها الهدف التاسع الصناعة والابتكار والبنية التحتية، ولذات السبب أيضا ولتسارع ارتفاع الإصابات بالمرض صدرت الأوامر في اغلب الدول بإغلاق الكثير من محال التسوق والمجمعات التجارية مما يعني فقدان البعض لأعمالهم وبالذات ممن يعملون بالأجر اليومي بنظام الأجر مقابل العمل، وكذلك العمالة المهنية توقفت إيراداتهم نتيجة لإحجام الناس عن الخروج في منازلهم، وذلك بحد ذاته سبب كاف للحد من أي تقدم في سبيل تحقيق الهدف الأول (القضاء على الفقر) والهدف الثاني (القضاء التام على الجوع) وكذلك الهدف الثامن (العمل اللائق ونمو الاقتصاد) مما يستتبعه إعاقة تحقيق بقية الأهداف وخصوصا الهدف الحادي عشر الذي ينادي بإقامة (مدن ومجتمعات مستدامة) واهم مقاصده وصول الجميع إلى نظم نقل مأمونة وميسورة التكلفة ويسهل الوصول إليها، حيث أن هذا الهدف الحادي عشر قد بات حبر على ورق بعدما توقف العمل في اغلب مطارات العالم وأغلقت اغلب الدول منافذها وعدم السماح بحركتي الدخول والخروج.
إن الحياة شبه معطلة تماما والمقصود هنا الحياة وليس العيش حيث إن الفرد بإمكانه أن يعيش وليس بالضرورة أن يحيا، وشتان ما بين العيش والحياة. وبالتالي فإن الكارثة التي ألمت بالبشرية هذه الأيام تقف حائلاً دون تحقيق أهداف التنمية المستدامة كلها مما يعني الرجوع للمربع الأول، فالمشكلة الاقتصادية على الأبواب أن لم تكن قد بدأت نتائجها بالظهور فبتوقف الأعمال فإن الكثير من الروابط التجارية ستعلن إفلاسها وبالذات ممن يرتبطون بتعاملات القروض مع البنوك، مما يعني زيادة نسبة البطالة، والفقر، والجوع، مما يجعل العلاقة علاقة طردية مع التعليم وبزيادة الجهل وقلة المعرفة بالنسبة للجيل القادم ستزيد المشاكل الأخرى أو انعدام تحقيق الأهداف الأخرى نتيجة لنقص لوعي، ولا يتأتى الحل لهذه المعضلة التي يمر بها العالم، إلا من خلال تفعيل دور المسئولية المجتمعية، وكما هو الحال في أركان المسئولية المجتمعية وأهمية الموازنة بين الأقطاب الثلاثة حيث لا يتسق تغليب أي عنصر على الآخر، وبالتالي فإن قيام كل منظمة حسب اختصاصها بالدور المجتمعي المناط بها كفيل بأن يضمن الخروج من هذه الأزمة باقل الخسائر خصوصا اذا أحسن المعنيين استغلال مقاصد أهداف التنمية بتطبيقها على أرض الواقع بغية الوصول إلى غايات الهدف من فتح الباب على مصراعيه للمتطوعين كل حسب اختصاصه، ونشر الوعي باتباع السلوك الأمثل حسبما ينص الهدف الثاني عشر -الاستهلاك والإنتاج المسؤولان- فالمال لمن يملكه والموارد للجميع، فحماية الغير من هذا الفيروس هو حماية لأنفسنا قبل كل شي، ولذلك على دول العالم مجتمعة أن تكون يد واحدة من أجل يحيا الإنسان كإنسان.