بروفيسور : يوسف عبدالغفار عبدالله
ظهر مصطلح “التنمية المستدامة ” على الساحتين الدولية و المحلية بصورة كبيرة في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم، و كان المفهوم السائد قبل ذلك هو ” التنمية” بمعناها التقليدي و خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وحصول مجتمعات العالم الثالث على استقلالها السياسي .. حيث عملت الدول المستعمرة على ترويج ذلك المفهوم لتبيان أن هذه الدول متخلفة بسببها و ليس بسبب الاستعمار.
و في الوقت الحاضر كثر استخدام مفهوم “التنمية المستدامة” و يعتبر أول من أشار إليه بشكل رسمي هو تقرير ” مستقبلنا المشترك” الصادر عن اللجنة العالمية للتنمية و البيئة عام 1987م ، و تشكلت هذه اللجنة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر عام 1983م برئاسة رئيسة وزراء النرويج و عضوية 22 شخصية من النخب السياسية و الاقتصادية الحاكمة في العالم، و ذلك بهدف مواصلة النمو الاقتصادي العالمي دون الحاجة إلى إجراء تغييرات جذرية في بنية النظام الاقتصادي العالمي.
و عرفت التنمية المستدامة بتعاريف أحادية مختصرة أشبه بأن تكون شعارات و تفتقد للعمق العلمي مثل التنمية المتجددة و القابلة للإستمرار و التنمية التي لا تتعارض مع البيئة و غير ذلك من التعاريف المختصرة. أما التعاريف الأكثر شمولاً و عمقاً فهي على سبيل المثال: هي التنمية التي تلبي احتياجات البشر في الوقت الحالي دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق أهدافها، و تركز على النمو الاقتصادي المتكامل المستدام و الإشراف البيئي و المسئولية الاجتماعية.
فالتنمية المستدامة هي عملية تطوير الأرض و المدن و المجتمعات، و كذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها.
و قد عرف تقرير اللجنة العالمية للتنمية و البيئة عام 1987م التنمية المستدامة بأنها التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون أن يعرض للخطر قدرة الأجيال التالية على إشباع احتياجاتها.
و تعرف منظمة الأغذية و الزراعة ” الفاو” مصطلح التنمية المستدامة ( الذي تم تبنيه في عام 1989) أن التنمية المستدامة هي إدارة و حماية قاعدة الموارد الطبيعية و توجيه التغير التقني و المؤسسي بطريقة تضمن تحقيق و استمرار إرضاء الحاجات البشرية للأجيال الحالية و المستقبلية.
إن تلك التنمية المستدامة ( في الزراعة و الغابات و الثروة السمكية) تحمي الأرض و المياه و المصادر الوراثية النباتية و الحيوانية و لا تضر بالبيئة و تتسم بأنها ملائمة من الناحية الفنية و مناسبة من الناحية الاقتصادية و مقبولة من الناحية الاجتماعية.
و يتضح من هذا كله أن التنمية المستدامة في الواقع هي مفهوم شامل يرتبط باستمرارية أفراده و مؤسساته من تلبية احتياجاتهم و التعبير عن وجودهم الفعلي في الوقت الحالي مع حفظ التنوع الحيوي و الحفاظ على النظم الإيكولوجية و العمل على استمرارية و استدامة العلاقات الإيجابية بين النظام البشري و النظام الحيوي حتى لا يتم الجور على حقوق الأجيال القادمة في العيش بحياة كريمة، كما يحمل هذا المفهوم للتنمية المستدامة ضرورة مواجهة العالم لمخاطر التدهور البيئي الذي يجب التغلب عليه مع عدم التخلي عن حاجات التنمية الاقتصادية و كذلك المساواة و العدل الاجتماعي.
و على الرغم من شمولية مفهوم التنمية المستدامة و اشتماله على جوانب اقتصادية و اجتماعية و مؤسسية و بيئية إلا أن التأكيد على البعد البيئي يرجع إلى إقامة المشروعات الاقتصادية الكثيرة و المتنوعة و كثير منها له تأثيرات سلبية على البيئة سواء من خلال استخدام الموارد الطبيعية القابلة للنضوب أو من خلال ما تحدثه هذه المشروعات من هدر أو تلويث للبيئة و من ثم تأخذ التنمية المستدامة في اعتبارها سلامة البيئة، و تكون حماية البيئة و الاستخدام المتوازن للموارد الطبيعية جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية المستدامة.
و الجدير بالذكر أيضاً، أن عملية دمج الاعتبارات الاقتصادية مع الاعتبارات البيئية في عمليات صنع و اتخاذ القرارات المختلفة هو بمثابة الطريق السليم لتحقيق التنمية المستدامة، إضافة إلى الأخذ في الاعتبار استخدام الطاقة المتجددة في المشاريع المختلفة للدولة لنظافة هذه الطاقة و محافظتها على البيئة.